المراجعة، والمساءلة، والنقد، سبل ومستلزمات بالغة الضرورة لا للنجاح والتطور فحسب، وإنما لتجاوز الأزمات، ومعالجة المعضلات وتسويتها بعد الاعتراف بحقيقتها، إن كان ذلك بالنسبة للفرد، أو للجماعة، للسلطة، أو للحزب، للموالاة، أو للمعارضة، دون هذه السبل وهذه المستلزمات، لن يكون هناك سوى التكلس الذي لا ينتج سوى خطاب النكران والمكابرة، وهذا ما سيقود إلى النهايات المأساوية.

من منا سيضع "السابع من أكتوبر" على طاولة المراجعة، والمساءلة، والنقد؟ السؤال الأهم ربما: متى سيكون ذلك ممكنًا، إذ كلما ظل هذا الأمر غائبًا عن هذه الطاولة، تعمقت هذه النكبة الثانية الخطيرة التي نعيشها منذ عام ونيف.

كلما غاب النقد، وانعدمت المراجعة، وتواصل خطاب النكران والمكابرة، تواصلت حرب الإبادة الإسرائيلية بخطاها المدمرة، نحو غاياتها الأساسية، تصفية القضية الفلسطينية، تصفية شاملة، وما من شيء بات مخفيًا في هذا الإطار، فغايات الاحتلال باتت بالغة الوضوح، وجيشها في قطاع غزة، يمد لآلياته شوارع  مبلطة، لاحتلالٍ يدوم، كي يفرض فيما بعد "اليوم التالي" للحرب، كما يريده تمامًا، يومًا ينصب فيه لجنة إدارية من أتباعه وأدواته التآمرية، تحكم القطاع على نحو فصله عن الضفة الفلسطينية المحتلة، فصلاً نهائيًا، ليسدد بذلك ما يبغي من طعنة قاتلة، للمشروع الوطني الفلسطيني، مشروع الحرية والاستقلال.

على خطاب "السابع من أكتوبر" أن يخرج من عبث النكران والمكابرة، وعليه أن يكف عن محاولة عقلنة الوهم وتسويقه واقعًا يلمع إنجازًا. وفي الحقيقة على أصحاب هذا الخطاب أن يقاطعوا شاشات فضائيات الخديعة، التي بات عاجلها على خط أحمر عريض، ليستولي هذا اللون على الانتباه الذي تريدها الخديعة ذاتها، فمن عواجل هذه الفضائيات بهذا اللون، وهذه الصورة، يصيغ النكران خطابه وتتعالى المكابرة بشعاراتها.

من العبث حقًا عقلنة ما ليس عقليًا، ومن الجهل والحماقة معًا، اعتماد البلاغة بديلاً عن الواقع، ومن الخطأ والخطيئة سويةً، بل ومن العته السياسي، تجاهل الواقع لصالح البلاغة. ما نواجه اليوم في هذه المرحلة المصيرية لا يحتاج لغير المراجعة والمساءلة والنقد، بالموقف المسؤول، الوطني، والأخلاقي، والإنساني، ولغاية واحدة أن نردع هذه الحرب، وننجو بما تبقى لنا من حياة في القطاع الذبيح، والضفة الجريحة، كي نواصل التقدم في طريق الحرية والاستقلال، وفاءً للشهداء، وتمجيدًا لتضحياتهم العظيمة.