نُرجّح أن أحاديت د. محمود الزهار، المتناثرة، حول الهدنة في غزة والحكم في الضفة؛ لا تلقى تأييد "حماس" المتكتمة بطبعها على النوايا، مثلما لا تلقى تأييد فتح أو غيرها. ففي موضوع الهدنة والاتصالات الدولية، تنضح تصريحات أخينا الزهار، بالغضب ممن يعطلون، وهو يفترض أنهم السلطة وفتح، علماً بأن الهدنة، والاتصالات، بمعايير السياسة، ينبغي ألا تروقا لطرف، مثلما تروق للراغبين في التسوية. ووجه الحرج الذي يتسبب فيه الزهار لحماس نفسها، أنه يُقر بالمحصلة، بوجوب الهدنة ووجوب الاتصالات، وهذا هو بالضبط، ما نهت عنه حماس. ومعلوم أن في قواعد المعاملات الإسلامية، لا ينبغي أن ينهى المرء عن شيء ويأتي بمثله، فما بالنا عندما يكون الشيء، أساساً لمطولات مديدة في التخوين ومحاولات نزع الشرف الوطني عن الآخرين!

في السياق، يلتقط الزهار، تصريح موشي يعلون، عن مطالب مرفوضة قدمتها حماس؛ ليبرهن على ما يسميه "كذب السلطة" بمعنى أن ما يُقال عن وئام حمساوي إسرائيلي، ليس صحيحاً. وبالطبع، ليس الكلام عن وئام، أو عن توافق إسرائيلي حمساوي، منطقياً بمعيار السياسة، إن لم يكن ذلك، بسبب أن حماس رفعت طموحاتها في الحكم والتمكين، في شكل طلبات كبيرة (وقد سبقناها نحن في ذلك) فهو بسبب صلافة العدو الذي جرّبه أكثرنا تفاؤلاً وأكثر ساستنا ومفاوضينا احتمالاً للمراوغات، وكانت النتيجة صفراً.

لكن القراءة الموضوعية لما رشح عن اتصالات حمساوية إسرائيلية عبر وسطاء؛ يدلل على أن المحتلين معنيون باستمرار شق الصف الفلسطيني، وبأن تذهب حماس بغزة في اتجاه مصر، وباستمرار القبضة الأمنية الحمساوية على غزة، طالما أنها تمنع إطلاق النيران وتضمن التهدئة. وهذا هو بالضبط، سبب تقبل إسرائيل للوساطة التي اعترف نتنياهو ويعلون بوجودها، وغمز من قناة الوسطاء قائلاً إنهم ربما يكذبون على حماس!

ولعل مبعث الحرج الآخر، لحركة حماس، من أحاديث الزهار، يكمن في توصيفه لأحد المطالب، وهو إيجاد وفتح ميناء بحري. وكأن هذا التوصيف الموجز، لن يثير الأسئلة من شاكلة: على أي أساس يُقام الميناء ويشتغل؟ وهل سيُقام ويشتغل، على أساس "برنامج المقاومة" أيقونة لغة الزهار، أم برنامج التسكين المديد لها؟ وفي حال أن يكون الخيار الثاني هو المنطقي، على اعتبار أن الموانئ لا تُنشأ لكي تُقصف؛ فهل سيكون هذا دون أمن وتدابير أمنية مشتركة بين حماس وإسرائيل؟

إن كان ثمة لُبْسٌ في الإجابة والاستنتاج، فبماذا نفسر دعوة الزهار لأن تتسلم حماس الحكم في الضفة؟ هل نفسره إن إسرائيل "عبيطة" وستساعد على تمكين حماس من حكم الضفة، لكي تزنّر قلب ورأس دولتها بمنصات إطلاق الصواريخ، أم لكونها لا تمانع في ضخ حركة الشعب الفلسطيني الى أحواض كلام بلاغي يلعلع ويجعجع دونما رصاص وطحن، تماماً مثلما يلعلع الجمع في حوض الشيخ رائد صلاح في أراضي 48؟

لنفترض أن حماس دُعيت الى تسلم الحكم في الضفة، فهل الشعب الفلسطيني سيفهم أنها جاءت فاتحة واقتربت من أسوار القدس، أم أن في الأمر أمراً ذميماً؟

قطاع كبير من الإسلامويين، يتشبع وبمسوّغات أيديولوجية بفكرة حيازة نمط الحياة الهادئة وطقوسها العبادية، ودعوتها الحرّى، التي تقتل "الكافرين آلاف المرات في كل يوم، وترى في ذلك خيراً لا زيادة بعده لمستزيد!

وفي الحقيقة، إن ما يخفف حرج حماس، من رذاذ الزهار، أن المستمعين اعتادوا عليه، ولم تعره حماس انتباهاً. ويعرف المشتغلون في السياسة، أن حماس عندما تفاوض على الأسس نفسها ومن المنطلقات نفسها، التي فاوضت بموجبها منظمة التحرير الفلسطينية؛ تخسر صدقية خطابها، أي خطاب الطنين وشعاراته القصوى التي أغوت البسطاء والعامة. كما تعلم حماس، أن فكرة تسلم الحكم في الضفة، عوضاً عن خنقه بضغوط اجتماعية وتكثير الموالين؛ من شأنها إحالة حماس، في المشهد الفلسطيني، الى شيء آخر غير الذي أرادت إقناع الناس به، وهنا مقتلها!