شكرا للأخ العزيز الدكتور غازي حمد الذي فجر منذ أيام حالة لافتة جدا من الاهتمام، من خلال تصريحاته التي نقلها موقع الـ "بي بي سي" ثم انتشرت بعد ذلك على مواقع ومنابر صحفية وإعلامية جدا، وجوهر تلك التصريحات أن غزة ليست آمنة في ظل السلوك السياسي والأمني للقابضين على الأمور في غزة بالحديد والنار من حركة حماس، الذين وصل بهم الأمر الى حد تلفيق تهمة خطيرة وشاذة وقاتلة لقطاع غزة بأنه اصبح بؤرة لداعش، لا لشيء سوى أن تقوم أجهزة حماس الأمنية التي يرهبها ويخشاها أكبر الرؤوس في حماس نفسها بمطاردة وملاحقة من تريد من أفراد ومجموعات وفصائل وعائلات وعشائر لكسر شوكتها، وإذلال كرامتها، وبث الخوف ليكون سيد الموقف.

بالنسبة لي ولعدد كبير من الكوادر السياسيين والمثقفين في قطاع غزة، فإن موقف الدكتور غازي حمد ليس مفاجئا، فلقد عملنا معا من تنظيمات مختلفة على إحياء وإعلاء شأن المشروع الوطني الفلسطيني، منطلقين من وعي عميق بأن غزة هي قلب هذا المشروع الوطني، مشروع الدولة وعاصمتها القدس وأن غزة خارج هذا المشروع ستكون الضحية الفادحة في هذه المنطقة.

وقد جاءت المعلومات التي نشرتها صحيفة "الحياة" اللندنية، حول موافقة إسرائيل من خلال مفاوضاتها مع حماس مباشرة أو عبر وسطاء، على ممر مائي مقابل هدنة طويلة، لتتجدد المواقف والمحاذير بأن حماس تغرق كل يوم أكثر في الوحل، وأنها تفقد القدرة معا في الخلاص من إغراء الوهم، وأن بعض قياداتها المهمة يكابرون ويدعون أن الأمور ما زالت في أيديهم، لكن الوضع الأمني المنفلت في قطاع غزة على كافة الأصعدة لا يصدق دعواهم، وان حماس بموافقتها على مصير ومسار آخر لقطاع غزة خارج المشروع الوطني الفلسطيني تكون قد سلمت للمشروع الإسرائيلي بالكامل، الذي بدأت تباشيره العملية منذ انسحاب شارون من قطاع غزة أحاديا في خريف 2005، وأن التطورات في المنطقة التي اثبتت أن هذا المشروع لا حياة له خاصة بعد أن تسلم الجيش المصري الأمانة ومقاليد الأمور في سيناء فأصبح المشروع مثل قفزة في الفراغ أو سقوط نوعي في لهيب النار! لكن حماس أو القلة المتنفذة والطاغية في حماس لا ترى إلا ما هو موجود في وعيها الواهم، وتتصرف على أساس أن الانتصار على فلسطين والشعب الفلسطيني هو الفوز العظيم.

ما العمل؟ وهل الأساليب والسياسات السابقة مع حماس ما زالت مجزية؟

لا أعتقد ذلك، والحل يأتي دائما من شعبنا في قطاع غزة الذي هو أكبر طرف في العالم الذي يعرف حجم مشكلته وعمق جرحه، ودروب الكارثة الشاملة التي تقوده اليها حماس، هذا الشعب وبغض النظر عن كل عناوينه السياسية والأيدلوجية، هو الذي قاوم تداعيات النكبة، وهو الذي قاوم تداعيات الاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي نجح في كل اختبار في إسقاط رهانات أعدائه سواء كانوا إسرائيليين أو إسلاما سياسيا أو عربا أو عجما، إنه عميق الوعي بأن مشاكله المتفاقمة لا تحل بمقامرات مجنونة، بل بعمق حضوره في مشروعه الوطني، مشروع فلسطين الدولة التي تولد من جديد في الجغرافيا السياسية، ومهما كانت خسائره وتضحياته فإنها تظل أقل ألف مرة من تركه هكذا رهينة في يد الخائبين.