من بين أخطر مشروعات التهويد في القدس، وأكثرها إلهاباً للصراع؛ ما كشفت عنه "يديعوت أحرونوت" قبل يومين، وهو كنيس يهودي يُقام في ساحة البُراق. فقد أُعلنت عطاءات بناء هذا الكنيس، الذي يتألف -حسب رسوماته الهندسية- من ست طبقات منها اثنتان تحت الأرض. أي إن العمل الاحتلالي يحفر في مكان يتهدد أبنية محيط الأقصى، وينشئ طابقين تحت الأرض، أما فوق الأرض فإنه يعلو بالبناء على الأبنية التاريخية، وهو ما لن تجيزه أية بلدية في العالم، تراعي هيبة قديمها والمعالم الأساسية التاريخية للمدن العتيقة. ويُعد هذا البناء المستفز المزمع، جزءاً من عملية التهويد التي تجري على قدم وساق، وتنطلق من قناعة أو أوهام، أن التاريخ وقف واستقر عند نتنياهو والمعتوهين الذين معه، وأن أمة العرب والمسلمين ميتة الى الأبد، وأن الصراع قد حُسم لصالح الغزاة المهووسين مثيري النزاع الديني. ولعل مساحة الكنيس، التي أشارت إليها الصحيفة، تنم عن عناد وتركيز على محو الطابع الإسلامي والمسيحي للمدينة، لأن الكنيس الذي سيُقام في مكان ضيق، على رقعة أرض في ساحة البراق لا تزيد على 378 متراً مربعاً وهي 20% من الساحة؛ سيرتفع رأسياً، ليصبح مجموع عدد أمتاره 1400 بتكلفة 13 مليون دولار. فالحارة التي فيها ساحة البراق، كانت أصلاً هدفاً استيطانياً منذ العام 1967 وقد حوّلها المحتلون الى حي يهودي، على بُعد بضعة أمتار من المسجد الأقصى.

إن استمرار سلطات الاحتلال، في مشروعها تغيير معالم المدينة، لا يعني في السياسة، سوى أن المحتلين يؤسسون لإدامة الصراع جيلاً بعد جيل. فلا ترعوي هذه الدولة الكريهة بامتياز، والتي تحتقر العالم وتسخر من فكرة السلام، وتلاعب العرب على أوتار أخرى، كوتر كف شرّها عنهم، أو وتر مساعدتهم على ترضية واشنطن واستقرار أنظمتهم، أو على وتر مزاعم مكافحة الإرهاب، دونما اعتبار لأن يستنتج أي عاقل في العالم، أنها هي التي تمارس إرهاباً مثلثاً، واحدا باستمرار الاحتلال وممارساته، وواحدا بتغيير معالم القدس، وثالثا بإثارة غضب الشعوب العربية والإسلامية، على النحو الذي يساعد على انتاج التطرف المضاد، وإحراج الأنظمة التي تسمي نفسها معتدلة وتجنح الى السلم!

في هذا الخضم، لا تستمع إسرائيل، لنداءات أصدقائها، ولا لتحذيرهم بأن ما تفعله، تجديف على التاريخ وعلى محاولات تكريس الاستقرار في المنطقة، بل هو تجديف على أمنها نفسه، لأنها عندما تفعل كل ما تفعل، على أرض يُساكنها فيها نحو أربعة ملايين فلسطيني، إنما تفتح على نفسها جبهة صراع لا تحتمله الأمم المتحضرة. كأن هذه الدولة المارقة، اختارت أن تظل طوال حياتها، بين عادية ومعدو عليها. ولأن عقلية من يحكمون فيها، تؤمن بالقوة وبالعربدة؛ فإن هؤلاء يتوهمون أن هذه القوة ستظل غالبة الى الأبد، وأن العصا التي يشهرونها في وجه الشعب الفلسطيني، ستظل ذات جدوى الى الأبد!

مشروع الكنيس في ساحة البراق، يتطلب عملاً سياسياً خارجياً، ووقفة شعبية فلسطينية في الداخل لإحباطه، إن لم يكن من أجل تكريس المنطق والعدالة والاعتبارات الجمالية لمعالم القدس التاريخية؛ فليكن للتحذير من الأثر الفادح لمثل هذه المشروعات، على الأمن وعلى فكرة التسوية نفسها، في عقول من لا يزالون يقتنعون بجدواها!