خاص مجلة القدس/ تحقيق وليد درباس

من لاجئين في مخيمات اللجوء في سوريا إلى مُهجَّرين في لبنان، معاناة جديدة يختبرها الفلسطينيون، الذين باتوا يعيشون الأمرّين، بسبب غياب تنظيم وتنسيق تقديمات المؤسسات الإغاثية، في مقابل ازدياد احتياجاتهم، وتصاعد وتيرة وكثافة النزوح ما يجعل المهمة تزداد صعوبةً أيضاً على المعنيين بالإغاثة والمساعدة.

المشهـد الإغاثي

لم تتردد الجهات الإغاثية بمختلف مسمياتها بتحمُّل مسؤولياتها، أمَّا تأخُّرُها غير المقصود بتقديم المساعدات الضرورية الآنية فمردُهُ وفق ما يُشير إليه أكثر من طرف هو خلو الأجندة من خطط طوارئ، بسبب اعتماد معظمها على تقديمات المؤسسات الداعمة الإقليمية، الدولية والمحلية أحياناً، فيما الحصول على الإعانة غالباً ما يكون عبر أجندة خاصة تتطلب الرفع المسبق للطلبيات والاحتياجات المطلوبة، وإخضاعها لدراسة الجدوى، وغيره. واستدراكاً للوقت، بدأت لجان المسح الميداني في الجمعيات عبر مندوبيها بالتجوال وتقصي مواقع لجوء النازحين واعتمادهم في كشوفات خاصة بانتظار قدوم الغيث، علماً أن بعض النازحين حصلوا على مساعدة لأكثر من مرة ومن أكثر من جهة وإن تكن من الصنف الإغاثي ذاته، وغالباً ما كان يتضرر سواهم لعدم حصولهم على ذات الكمية بسبب الفردية في عمل المؤسسات، وغياب التنسيق بينها.

هذا وتتعدد أصناف الإعانات، وأغلبها من الفُرش والأغطية (الحرامات)، والمواد التموينية، لأولويتها على ما دونها من الاحتياجات. ووفقاً للمتاح، قامت بعض الجمعيات بتقديم أصناف أخرى ومنها على سبيل الذكر"جهاز مولود، مدفأة على الغاز، وحدة تنظيف، دعم نفسي وتدعيم مدرسي، مساعدات مالية نقدية، قسائم شرائية تراوحت قيمتها ما بين 25 إلى40دولارا لشراء بعض الحاجيات من أسواق مدينة صيدا وغيرها من الأسواق اللبنانية في مختلف المحافظات الأخرى.

مهـام ومتطلبات فـوق العادة

حول كيفية التعامل مع قضايا ومتطلبات النازحين من سوريا، رأت رئيسة الاتحاد العام للمرأة فرع لبنان آمنة سليمان أنَّ النازحين حيثُما استقروا في سوريا ومخيماتها لم يُحرَموا من حقوقهم بالعيش بكرامة، ولعبوا دوراً إيجابياً في ترسيخ مداميك العجلة الاقتصادية الاجتماعية، وأضافت: "إن نزوح العائلات في ظل الأحداث الدامية التي تشهدها سوريا شيء طبيعي، ولكن حجم النزوح وتسارُع وتيرته فاجأ الجميع وتعدَّى توقعات وقدرات الجهات الفلسطينية مجتمعةً بما فيها الأونروا وحتى الدولة اللبنانية، لذا فالأمر يتطلَّبُ تحمُّل المجتمع الدولي لكامل مسؤولياته"، لافتةً إلى أن عشرات العائلات عادت لبيوتها بمجرد حدوث استقرار نسبي، فيما اختار آخرون البقاء والاستقرار حيثما أمكن في سوريا ليكونوا على مقربة من بيوتهم ما يدل على استعداد وتوق الفلسطينيين للعودة سريعاً بمجرد أن تنتهي الأحداث المؤلمة.

من جهة ثانية، أكدَّت سليمان أن هذا الوضع الصعب اقتضى أن يعمل اتحاد المرأة بأكثر من اتجاه باعتباره مرجعيةً وطنيةً فلسطينيةً نسائيةً، مشيرةً إلى أن الاتحاد تحمَّل مسؤولياته، فدعا مكتباته العامة في المخيمات كافة لاستقبال آخرين ممن لديهم مشاكل تعلُّمية عبر برنامج دروس التقوية الذي يُنفِذُهُ بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، وأوعـز لرياض الأطفال التابعة له والمنتشرة في المخيمات باستقبال الأطفال النازحين ممن تنطبق عليهم المواصفات العمرية.

وتضيف سليمان: "كما قمنا بحملة لجمع الملابس من كادر الاتحاد ومناصريه وصديقاته، وتمَّ توزيعها مابين عين الحلوة ومخيم شاتيلا، وكذلك نسَّقنا مع جمعية الهلال الأحمر ومشافيها في المناطق ولا سيما مع مشفى الهمشري في صيدا بهدف استقباله النازحات اللواتي أوشكن على الولادة. ولجانب ذلك قام الاتحاد بشراء ملابس للمواليد الجدد وملابس أخرى لأمهاتهم، وحاول الاتحاد جهده لتأمين بعض الأدوية لعشرات الحالات من الأطفال المرضى، ومرضى الأعصاب وإن بحدود منطقَتي صيدا وصور بالتنسيق والتعاون مع المؤسسات.

كما سجَّلت سليمان شكرها لدور مؤسسة الرعاية والتنمية الأسرية لتعاونها وتقديماتها للنازحين عبر مقراتها وتلك التي قدَّمها الاتحاد للنازحين عبر مقراته، إضافةً إلى تمكين عشرات العائلات من سـد بعض احتياجاتها بما قدَّمه الاتحاد من مساعدات مالية نقدية وإن تكن محدودة، وشراء ألف حرام وُزعوا على النازحين على مستوى مخيمات عين الحلوة، والمية ومية، وأزقة صيدا، ووادي الزينة، ومخيم البداوي، إلى جانب توزيع ما يزيد على ألف حصة تموين بدعم من جمعية المساعدات الشعبية النرويجية، مضيفةً: "وبدعم مشكور من سفارة دولة فلسطين في لبنان وعلى عجالة وزَّع الاتحاد حصصاً تموينية للدفعات الأولى من النازحين في مخيمات صيدا والتجمعات الفلسطينية".

كذلك ثمَّنت سليمان دور المؤسسات وتقديماتها وجهود مندوبيها تجاه النازحين، ولفتت في هذا السياق إلى استعداد الاتحاد للتعاون في سبيل إنجاح صيغة "اتحاد المؤسسات الأهلية الفلسطينية"، لتحقيق خدمة أفضل للنازحين.

وحول مطالبة القيادة الفلسطينية الأونروا بحلول تغطي نفقة الإيجار الذي يدفعه النازحون المستأجرون، نوَّهت سليمان من موقعها كعضو في قيادة الساحة لـ"م.ت.ف" لطرح القيادة الفلسطينية لموضوع الإيواء في اجتماعاتها على قاعـدة العمل على استيعاب ما أمكن من النازحين في النوادي والصالات والغرف الشاغرة التابعة للفصائل، مثمنةً من جهة أخرى تجاوب بعض القوى والجمعيات. كما أثنت سليمان على جهود أهل المخيمات لجهة جمعهم المعونات وإيوائهم لأبناء جلدتهم في بيوتهم رغم ضيقها وقلة حيلتهم.

من جهة أخرى ثمَّنت سليمان جهود سفارة دولة فلسطين وقيادة الساحة بما فيها "م.ت.ف" والتحالف، التي دفعت الأونروا للتعاطي مع إحتياجات النازحين مالياً وتقديم بعض مستلزمات الإقامة، لافتةً إلى أن الأونروا وعدت بتحويل منحة الـ"40 دولاراً " للنازح التي قدَّمتها سابقاً إلى مساعدة دورية، تبدأ الدفعة الجديدة منها في شباط الحالي. كما أكَّدت أن القيادة الفلسطينية المولجة ملف النازحين لم توفر حتى وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، فتواصلت معها وقدَّمت لها مذكرات تتضمن احتياجات النازحين.

بين ايجابيات المساعدات وشوائبها

استهلَّت مديرة جمعية التضامن للتنمية الاجتماعية والثقافية ابتسام أبو سـالم  حديثها بتوجيه الشكر لكافة العاملين في الشأن الإغاثي، وخصَّت بالذكر كلاً من"منظمة طفل الحرب الهولندية"، و"المجلس الدنمركي للاجئين" لوقوفهما لجانب الفلسطينيين عموماً، ولتعاونهما في تنفيذ "مشروع الدعم النفسي، التفريغ وترفيه الأطفال النازحين" جراء تعرُّضهم بشكل أو بآخر لويلات الأحداث المؤلمة في سوريا، بما في ذلك "برنامج التدعيم المدرسي للتلاميذ النازحين"، وتضيف أبو سالم: "يستهدف برنامجنا 130 طفلاً من النازحين ومن خلالهم قامت الجمعية وبحضور الممول بتزويد عوائل هؤلاء الأطفال بالعديد من الاحتياجات المتوفرة ومنها على سبيل الذكر فرش، وحرامات، وأحذية رياضية للأطفال..الـخ". كما تلفت أبو سالم انتباه الجمعيات لأهمية أن تتضمن طلباتها للجهات المانحة توفير ألبسة داخلية للأطفال، واحتياجات للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأدوية لمن يعانون الأمراض المستعصية". أمَّا تعقيباً على مسألة لجوء بعض الجهات كالأونروا مثلاً لصرف قسائم الشراء الممنوحة للنازحين ضمن الأسواق اللبنانية وحسب، أشارت أبو سالم إلى أن هذا الأمر يحتاج للاستماع لتعليل الجهات المعنية بالتحديد، ولكنها، وبعد إلحاحٍ منا، سجَّلت وجهة نظرها وإن بتحفظ معلِّقةً: "من المفيد أن يكون توزيع الحاجات بإطار المخيمات باعتبارها تعفي النازحين من المشقة وتكاليف الموصلات"، مستدركةً: "إلا إذا كانت الجهات محكومة باتجاهات المموِّل وآليات العمل الخاصة بذلك ومنها تشكيل لجان مشتريات والعمل وفق مشروع المناقصة...الخ"، ومنوِّهةً لاحتمال تعذر توفر ذات المواصفات بأسواق المخيمات ولكون تأمين الطلبية من أكثر من متجر وبائع في أسواق المخيمات سُيسهم في تشتيت الجهد وإرباك العمل والنازحين أيضاً، لتختم قائلةً: "اكتشفنا أن سعر الفرشة في مخيم عين الحلوة مثلاً أغلى من أسواق صيدا حيثُ مصانع الفرش، وهذا شيء طبيعي".

بدورها ثمَّنت اللجنة الشعبية لفصائل منظمة التحرير في عين الحلوة دور الجهات المغيثة دونما استثناء، حيثُ أنه وبرأي أمين سرها محمود حجير  فقد مكَّنت المساعدات المالية النقدية والمقدمة عبر قسائم شرائية من الأسواق اللبنانية حامليها من اختيار احتياجاتهم الضرورية بحرية، راداً بعض مظاهر الخلل لإقبال وتدافع النازحين، وارتفاع الأسعار، واضطرار بعض النازحين بسبب الجهل والحرج لدفع فرق مشترياتهم مقارنة بقيمة القسائم الشرائية، ويضيف حجير: "تفاجأنا بخطوة الأونروا. فنحن على تواصل مستمر وكان بودنا أن تعمل الأونروا قدر جهدها لتحريك العجلة الاقتصادية في أسواق المخيمات، فتحديد صرف كمية من القسائم بأسواق المخيم لا يضير الأونروا بقدر ما يعود علينا وعليها بالفائدة ويتسبب بإنعاش الوضع في المخيمات وليس فيما يتعلَّق بالنازحين وحسب، بل أيضاً بمئات من عوائل مناضلي منظمة التحرير الذين يشاركون بتسديد ثمن تمسُّك قيادتهم بالثوابت"، متمنياً أن تكون مساعدة الأونروا للنازحين مستديمة.

من جهته لفت عضو اللجنة الشعبية أبو ربيع سرحان إلى أن تعاقد الأونروا مع أسواق من خارج المخيمات يشكِّل عاملاً سلبياً بالنسبة لواقع الحركة الاقتصادية في المخيمات، مشيراً إلى أن الأسعار باهظة بالنسبة للنازحين، ومضيفاً: "يوجد في المخيمات محلات وتجار كبار ولبعضهم محلات في صيدا. كما أنه من الممكن أيضاً أن نحصل على حسومات وأسعار معقولة ومقبولة"، وخاتماً بالقول: "عوضاً عن أن تكسوَ العائلة المكونة من عدة أشخاص فرداً أو اثنين بمجمل قيمة القسائم، فمن الممكن أن تكسوَ أضعاف العدد من ذات أصناف الأسواق اللبنانية في حال صُرفِت القسائم في أسواق المخيمات". 

فرَّقتهم الأحداث الدامية وجمعتهم المعاناة بأشكالها

إبراهيم بدر رب أسرة مكونة من ستة أفراد. نزح في 16/12/2012. لم يجد من يستضيفه، ما اضطره لاستئجار شقة مفروشة في حي الزهور في صيدا، والرضوخ لمطلب صاحبها ناصر حمود بدفع مبلغ 1200دولارا مقدماً عن شهرين. وهو اليوم يبحث عن بيت للإيجار في المخيمات، ويقول معبِّراً عن معاناته: "المؤسسات الإغاثية جزاها الله الخير على دورها، لكن إعانتها لا تكفي. فالرز، والعدس، وغيرها تحتاج طهواً لتُجهَّز، والطهو يحتاج أدوات وغاز، لذا فالنازحون بحاجة ماسة لأدوات مطبخ وأوان للطعام على أهمية الفُرشْ والحرامات". ويختم أبو رامي بالقول:" الحال لا تُحتمل. فما ادخرناه قد نفذ. كما أنَّ عملي في تجارة المواد الغذائية كان قد توقَّف قبل النزوح بستة أشهر. أعمل في الدهان وحتى اليوم لم أوفق بعمل، وإن استمرت الحال بدون عمل فسأصبح بحاجة ماسة للمساعدة في تأمين إيجار البيت".

أما محمد خير، وهو فني كهرباء منزلي، فهو أيضاً رب أسرة مكوَّنة من ستة أفراد. نزح في 15/11/2012. وحول وضعه الحالي يقول: "أقامت عائلتي وعائلة شقيقي وقريبي في غرفتين غير مجهزتين ولا تحويان نوافذ أو أبواباً في عين الحلوة، لمدة عشرين يوماً ريثما تدبرنا أمرنا"، مشيراً إلى أنه بعدها استأجر بيتاً من ثلاث غرف، فشغل وعائلته ومعه أخته وابنتها غرفة، وأسكن في الثانية ابنته المتزوجة، وفي الثالثة عائلة قريب له، إضافةً إلى وجود حمام يتيم يستخدمه الجميع.

ورغم ذلك يحمد خير ربه ويتابع: "عملت بمهنتي بيومية 35000 ليرة لبنانية، لكن مدخولي لا يكفي. لقد ظننا أن الوضع في لبنان أقلُّ سوءاً مما كنا فيه، فتفاجأنا بأن الوضع مأساوي. ويضيف: "أتينا بطولنا وعرضنا، وكل أسبوع أضطر لشراء قطعة ملابس لأحد أفراد أسرتي"، ويتساءل: "إذا بقينا سنة لا قدَّر الله فماذا سيحل بنا..؟!". وفيما يتعلَّق بالمساعدات التموينية، وجّه خير الشكر للجمعيات ولمن قدَّم له أي مساعدة مشيراً إلى أنه لم يستلم ولو فرشة، رغم استلام البعض لمساعدات ولأكثر من مرة، ولافتاً انتباه الجمعيات لوجود أشياء أخرى يحتاجها كافة أفراد الأسرة، ومطالباً كلا من الأونروا ومنظمة التحرير والجمعيات بالعمل على إيجاد الحلول المناسبة لبدل إيجارات البيوت، علماً أنه سلَّم عقد إيجاره للجهات المعنية بالملف عبر جمعية السبيل الخيرية.

كذلك فمحمد أبو مجد، فني برمجة كمبيوتر، مثالٌ آخر على معاناة النازحين المريرة. فهو رب أسرة لخمسة أفراد. نزح في 29/10/2012. ويرى أبو مجد أن احتياجات النازحين عموماً تتلخص بالاحتياجات المادية والمالية، وأثنى بخصوص الشق الأول على تقدمة الجمعيات الإغاثية، واعتبر أنَّ حاجة النازحين للمساعدة المالية النقدية لا تقل أهمية عنها، لكونها تؤمِّن للنازح تغطية المواصلات كحد أدنى، والاتصال بالأهل في سوريا، إلى جانب مصروف الأبناء، داعياً الجهات المعنية لمعالجة ملف أجرة البيوت.

من ناحية أخرى دعا أبو مجد الجمعيات للاستفادة من طاقات النازحين وإفساح المجال للعمل معهم وإن بشكل محدود ما يعزز تواصل الجمعيات مع النازحين، ويكسر حاجز الهيبة والخجل أحياناً بين المعنيين في الجمعيات والكثير من النازحين. كذلك تمنى أن يُصار لتعويض ما ضاع على التلاميذ والطلبة النازحين وذلك من خلال تكثيف العملية التدريسية لمدارس الأونروا وفق المنهاج السوري، خاتماً بلفت انتباه الجمعيات إلى ضرورة تنفيذ برنامج  Data Base( قاعدة بيانات) لضمان توحيد وتنظيم وضبط توزيع المساعدات وحصول النازحين على منح إغاثية متساوية.