بقلم: رامي سمارة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي، أنه قرر الدفع بثلاث كتائب احتياط في الضفة الغربية لتنفيذ مهام "عملياتية" وتحقيق أهداف "دفاعية"، استنادًا لتقييم أمني أجرته ما تسمى بقيادة منطقة المركز في الجيش.

وسبق ذلك بشهر أن صنف الاحتلال الضفة الغربية بـ"ساحة قتال ثانية" بعد قطاع غزة، عقب إطلاقه أوسع عدوان على المدن والبلدات والمخيمات، منذ ما اصطلح على تسميتها إسرائيليًا بعملية "السور الواقي" عام 2002، والتي شهدت اجتياحًا بريًا لكافة محافظات الضفة الغربية.

واقتحم الاحتلال فجر الثامن والعشرين من آب/أغسطس بهجوم متزامن محافظات جنين وطولكرم وطوباس ونابلس ومخيماتها وعددًا من بلداتها، بمشاركة قوات نخبة وألوية مشاة ووحدات مظليين ومستعربين ومروحيات مقاتلة ومسيّرات وآليات مدرعة وجرافات.

ورغم أن جيش الاحتلال أنهى بعد عشرة أيام تواجد قواته المكثف داخل المناطق التي شملتها عمليته العسكرية، مخلفُا أكثر من 50 شهيدًا وعشرات الجرحى، إلا أنه لم يعلن نهايتها وأبقى الباب مفتوحًا على مزيد من الجرائم التي ما انفكت ترتكب إن كان بهجمات كبيرة معلنة أو عبر الاقتحامات والاستهدافات اليومية.

وفي ذلك العدوان الذي منحته إسرائيل اسم "مخيمات صيفية"، برزت عمليات الاغتيال من الجو، سواء باستخدام المسيّرات المفخخة أو الطائرات الحربية، التي قال جيش الاحتلال إنه استخدمها في المجزرة الأخيرة التي اقترفها يوم الخميس الماضي، بقصف مبنى من ثلاثة طوابق في حارة الحمام بمخيم طولكرم، ما أسفر عن استشهاد 18 مواطنًا، بينهم ثلاثة أطفال.

وتشير إحصائيات لمركز "معطى" إلى أن جيش الاحتلال شن أكثر من 110 هجمات من الجو في محافظات الضفة الغربية، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وخلفت هذه الغارات 188 شهيدًا، بينهم 32 طفلاً وأربع نساء، حسب "مرصد شيرين أبو عاقلة" للتوثيق.

وكان لافتًا في هجوم "المخيمات الصيفية"، التدمير الواسع الذي تعمد الاحتلال إلحاقه بالبنى التحتية، والمنازل والمحال وشبكات الطرق والمياه والكهرباء، والميادين العامة والمركبات، عدا عن حصار المستشفيات واقتحامها، واستهداف سيارات الإسعاف وتوقيفها واعتقال من فيها من جرحى ومرضى في بضع حالات، وإجبار المواطنين على النزوح عن منازلهم، وتعمد إطلاق النار على الصحفيين.

وما ذلك العدوان سوى صورة مكثفة ضمن فترة محددة تشمل أوجه الانتهاكات التي ترتكب في فلسطين منذ بدء الاحتلال، وازدادت وتيرتها بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، من أجل خلق ظروف طاردة تدفع الفلسطينيين للرحيل، عبر جعل العديد من التجمعات السكانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية مناطق غير آمنة ولا صالحة للحياة، ضمن أهداف معلنة وأخرى مضمرة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي.

سُجلت قرابة 13 ألف عملية اقتحام في الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال العام المنصرم الذي بدأ بالسابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتقى خلالها 742 شهيدًا، من بينهم 163 طفلاً وطفلة و12 امرأة، إضافة إلى تسجيل أكثر من 6250 مصابًا في الفترة ذاتها، وفق إحصائيات صادرة عن وزارة الصحة.

ولم يكن جيش الاحتلال وحده من ينفذ عمليات القتل، فالمستعمرون الذين يمثّلون ذراع بطش إسرائيلية لا تطالها المساءلة، شاركوا بدورهم في ارتكاب جرائم إرهابية أراقت دماء عشرات المواطنين، ارتقى منهم 19 شهيدًا وفقا لتقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

وخلال الفترة الواقعة بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، و30 أيلول/سبتمبر 2024، رصدت الهيئة أكثر من 2700 اعتداء نفذها المستعمرون، تراوحت بين القتل والضرب وإطلاق النار، وإقامة البؤر والاستيلاء على المباني وتجريف الأراضي، والاعتداء على الممتلكات بالتكسير والحرق، وقص الأشجار وتخريب المزروعات وسرقة المواشي والمعدات وكتابة الشعارات العنصرية.

وتضمنت تلك الاعتداءات إقدام المستعمرين على إقامة 29 بؤرة استيطانية، معظمها بطابع رعوي زراعي، فيما تمكن الإرهاب الذي مارسوه من تهجير سكان 28 تجمعًا بدويًا في الضفة الغربية المحتلة.

وتحول إرهاب المستعمرين في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة، إلى فعل شبه يومي، لا يمكن فصله عن سياسة الاحتلال وخطتها للتطهير العرقي وتمكين الاستعمار من التمدد على طول أرض فلسطين وعرضها.

ووفقًا للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، فقد دخل إجرام منتسبي العصابات الاستعمارية طورًا متقدمًا من الإرهاب المنظم، بعد أن سهّل وزير "الأمن الداخلي" الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير تسليحها وشكّل فرق طوارئ لحمايتها أمنيًا وقانونيًا.

وتفيد إحصائيات منسوبة لوزارة جيش الاحتلال، بأن المستعمرين حصلوا على 130 ألف تصريح لحمل السلاح، من أصل 320 ألف طلب قُدمت لذلك بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وتفاخر بن غفير في تصريح أدلى به في آذار/مارس الماضي، أن وزارته استطاعت تسليح 100 ألف مستعمر في الضفة الغربية منذ بداية الحرب على قطاع غزة، تحت مسوغ "الدفاع عن النفس وإنقاذ الحياة".

ومثّل تغلغل اليمين المتطرف والمستعمرين في مؤسسات دولة الاحتلال السياسية والعسكرية، داعمًا لتصاعد التهديدات التي تتعرض لها الضفة الغربية على مستوى السيطرة على الأرض والضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم.

وفضلاً عن البؤر الاستعمارية الـ29 المستحدثة، سوت حكومة الاحتلال أوضاع 11 بؤرة استعمارية، بينما تقرر "شرعنة" 63 بؤرة أخرى بتمويل ربطها بالخدمات، ورصد 13 مليار شيقل لتسريع وتيرة الاستعمار في الضفة، و40 مليونًا أخرى للحد من البناء الفلسطيني في منطقة "ج"، عبر دعم الاستعمار الرعوي وإنشاء القواعد العسكرية، وإقامة مزيد من البوابات والحواجز والمكعبات الإسمنتية على مداخل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية.

ورصد مركز أبحاث الأراضي وجود نحو 760 بوابة أو حاجزًا عسكريًا أو بوابة حديدة أو سدًا ترابيًا تقطع أوصال الضفة الغربية، تم إقامة 120 منها على الأقل بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وذكرت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن دولة الاحتلال نفذت عمليات استيلاء ممنهجة للأرض الفلسطينية في العام الماضي طالت 52 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين، 25 ألف دونم منها تحت مسمى تعديل حدود محميات طبيعية، و24 ألف دونم من خلال 7 أوامر إعلان أراضي دولة، و1233 دونما من خلال 52 أمرًا لوضع اليد لأغراض عسكرية هدفت لإقامة أبراج عسكرية وطرق أمنية ومناطق عازلة حول المستعمرات.

كما بدأت حكومة الاحتلال، وفق الهيئة، بإنشاء 12 منطقة عازلة حول المستعمرات، تركز معظمها في شمال الضفة الغربية، وتحديدًا محافظتي سلفيت ونابلس.

وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، درست الجهات التخطيطية في دولة الاحتلال ما مجموعه 182 مخططًا هيكليًا لغرض بناء ما مجموعه 23267 وحدة استعمارية على مساحة 14 ألف دونم جرت عملية المصادقة على 6300 وحدة منها، في حين تم إيداع 17 ألف وحدة استعمارية جديدة.

وكشف تقرير للاتحاد الأوروبي أن إسرائيل بنت 30 ألفا و680 وحدة استيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، منذ تولي بنيامين نتنياهو قيادة الحكومة الحالية.

وبين يومي 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و30 أيلول/سبتمبر 2024، هدمت السلطات الإسرائيلية 1768 منشأة فلسطينية أو استولت عليها أو أجبرت أصحابها على هدمها في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما أدى إلى تهجير أكثر من 4555 مواطنًا، من بينهم نحو 1910 أطفال، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية "أوتشا".

وذكرت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن سلطات الاحتلال هدمت منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 868 منشأة، بينها 373 منزلاً مأهولاً، 89 منزلاً غير مأهول، و241 منشأة زراعية وغيرها، كما وزعت سلطات الاحتلال 630 إخطارًا لهدم منشآت فلسطينية.

ويبرز دور وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي دخل الائتلاف الحاكم بشهية مفتوحة على سرقة الأرض والاستيطان بـإعلانه "خطة الضم"، مستندًا إلى ما يمتلك من أدوات سياسية اللازمة، كونه وزيرًا بحقيبتين، الأولى المالية وتمنحه صلاحيات دعم وتمويل تلك المخططات، والثانية بصفته وزيرًا في وزارة الجيش، ومسؤولا عن "الإدارة المدنية" التي تتحكم في مستقبل أراضي الفلسطينيين عامة ومناطق "ج" على وجه الخصوص، والتي تبلغ مساحتها نحو 61% من مساحة الضفة الغربية.

وسرب تسجيل صوتي لسموتريتش في التاسع من حزيران/يونيو 2024، تحدث فيه عن خطة "جذرية" تهدف إلى فرض سيطرة دائمة للاحتلال على الضفة الغربية وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءا من الدولة الفلسطينية، عبر تغيير الطريقة التي تُحكم بها دون اتهام إسرائيل بضمها رسميا.

ويتأتى ذلك وفق سموتريتش، بنزع الصلاحيات والمسؤوليات عن الضفة الغربية من أيدي الجيش وتسليمها إلى موظفين مدنيين يعملون تحت إمرته في وزارة الجيش، بالتزامن مع تخصيص ميزانيات ضخمة لمشاريع البنية التحتية للتوسع الاستعماري وتدعيم الإجراءات "الأمنية" للمستوطنات.

ووفق رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، فإن مجمل السياسات والإجراءات الاستعمارية التي تنتهجها دولة الاحتلال هي محض خطوات مخطط لها مسبقا، وتم التستر بستار الحرب وبالحالة الأمنية من أجل تنفيذها والعمل على حسمها، من خلال حاضنة تشريعية يتم إنجازها للمشروع الاستعماري، وتظهر نية الاحتلال الحقيقية بقتل إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل.

ومن جملة القرارات والقوانين التي تخدم هدف إسرائيل الاستراتيجي آنف الذكر، مصادقة الهيئة العامة لـ"الكنيست" بالقراءة التمهيدية في أيار/مايو الماضي على مشروع قانون ينص على "ضم أراض في الضفة الغربية إلى إسرائيل، واعتبار منطقة جنوب الخليل جزءًا من النقب"، والمصادقة في تموز/يوليو على قرار يرفض "قيام دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، باعتبارها خطرًا وجوديًا على إسرائيل ويؤدي إلى تمديد النزاع وزعزعة استقرار المنطقة".