لم يكن قبلها اسماً مذكوراً. هو محض مندوب لطرف حزبي، من بين مندوبين كُثر، لفصائل تجاور فسائل، حسب تعبير الشهيد ياسر عرفات. لم يبرح تمثيله لذلك الطرف، دائرة الاتحاد العام لطلبة فلسطين. كانت تلك، دائرة ذات منصة واعدة لناشطيها، على اعتبار أنها جذر المنظمات الشعبية وأعلاها شأناً في زمن انتعاشها. فمن موضعها الناهد، لطالما قفز كثيرون الى بحر السياسة والدبلوماسية ونجحوا. ولكونه لم يكن فتحاوياً، ولأن الفتحاويين يتسمون بالضعف في فنون الكلام والتنظير؛ فقد داعبته الآمال في أن يهتبل فرصة لنفسه، إن لم تزد في الأهمية عن فرصة أبرع الفتحاويين، فعلى الأقل تضاهيها!
في ذلك السياق، تهيأ الفتى لأن يلعب على كل الحبال، وأن يلوذ الى المركب الأسرع والأضمن في الإبحار، وإن أحس بخلخلة وبطء فيه؛ ليس أسهل ولا أوجب، من أن يقفز الى مركب آخر. وقبل الوصول الى مرفأ الرسو، كان قد أصبح مفاوضاً في أوسلو، وأحد كاتمي أسرارها قبل إفشائها ووقوعها. عندئذٍ، رأيناه فجأة، واحداً من الفريق السياسي. وبحكم طبيعة المهمة، وما تتطلبه من تكتم، لم نعرف بالضبط، حجم دوره في «العملية» ولا طبيعة عمله في المطبخ الذي تتدرج فيه المهام، من مناولة البهارات والمغارف، الى التخطيط لصنع الطبق وإنجازه. 
بالطبع، لا أحد يغلب المشارك من داخل مطبخ الطهي، في مديح الطعام والإسهاب في الإعراب عن افتتانه به. هكذا كان صاحبنا، كلما تحدث عن «أوسلو» أو دافع عنها أمام مشاغب من أمثالنا. مرتان أو ثلاث، هجوتُ «أوسلو» في حضرة أبي عمّار، وكان هو الذي يرد حانقاً وليس المرحوم «الختيار». وفي رده كان يستخدم مفردات المزاودة والعدمية والعجز عن طرح البدائل. ولا أنكر أنني كنت أرد على السفاهة بأقبح منها!
مع بدء تطبيقات «أوسلو» استحال الفتى برلمانياً ووزيراً ومنّظراً سياسياً. ولأن حسابات المنفى اختلفت عن حسابات ما بعد الرجوع (وهي ليست عودة حسب المبدع محمود درويش) فقد تعددت وقائع القفز من مركب الى مركب. وأزعم أن صاحبنا لم يُحسب على قبطان، إلا وقد آذاه و «لخبط» له إحداثيات الإبحار. لكن «أوسلو» ظلت في سياقه، أيقونة عمره ومجده المُتخيَّل. ولكون تنظير المنفى، لا ولن يصلح لإفادة الحياة والدولة والمجتمع بعد الرجوع، فقد اكتفى الفتى بالوجاهة. ومع استمرار المحاولة، في تطبيق اتفاق ملتبس، يكون فيه التنفيذ بالجملة والحل نفسه بالمفرّق؛ ظل صاحبنا عنيداً في غرامه بــ «أوسلو» ودفاعه عنها، على النحو الذي يتجاوز إشهار بنودها كلما خرقها المحتلون وانقلبوا عليها. ففي حدود مقاصد الإشهار، لا بأس من التذكير بمحددات المُخترق. أما الغرام فلا موجب له، لأن العاشق الحاذق، لا يفتنه شيء تكمن عناصر موته القريب في داخله!
عنصر الطرافة في هذا السرد، أن صاحبنا، وبعد ان استبعده القبطان، ليس من المركب وحده، وإنما من بحر «أوسلو» كله؛ طفق يغمز على أيقونة عمره ويسميها «كادوكاً» وهذا الذي جعله أوسلوياً مرتداً!