حين اشار المرء أكثر من مرة الى وجود تنظيم «داعش» في محافظات غزة، إدعى عدد من قادة الانقلاب الحمساوي، عدم «صدقية» ذلك، وادعوا ان ما صدر من إشارات عن وجود التنظيم التكفيري، ليس سوى حالات «فردية» لا تعكس وجودا منظما له على الارض!؟ 
غير ان الترخيص لتظاهرة لـ «داعش» قبل يومين من قبل ما يسمى «وزارة الداخلية»، (التي لا صلة لها بوزارة داخلية حكومة التوافق) في غزة، أماط اللثام بشكل جلي عن وجود تنظيمي وعسكري له. وهو ما يكشف عن عدم مصداقية قيادات حماس الانقلابية تجاه التنظيم او بالاحرى التنظيمات التكفيرية بمسمياتها المختلفة. وتؤكد التظاهرة عن رعاية ودعم قيادة الانقلاب لتلك الجماعات، واوجدت لها الارض الخصبة كي تنمو وتترعرع في قطاع غزة. 
السؤال او الاسئلة، التي تطرح نفسها على القوى السياسية والاجتماعية والثقافية الرسمية والاهلية في اعقاب المظاهرة: لماذا الآن تم الكشف عن الوجود العلني لتنظيم «داعش»؟ وما هي الرسائل، التي تريد ارسالها حماس لمنظمة التحرير والحكومة والقوى والشعب الفلسطيني؟ وهل شاءت قيادة الانقلاب إرسال رسائل للقيادة المصرية او الاسرائيلية والعالم من خلال هذا الظهور البشع؟ وهل ارادت القيادات المتنفذة (العسكرية) تكريس قيادتها للمحافظات الجنوبية؟ 
مما لاشك فيه، ان حركة حماس خاصة قيادة كتائب عز الدين القسام ومعها الزهار والعلمي وفتحي حماد، في ضوء تعاظم ازمتها العضوية، وعدم انفراج اي معضلة من معضلاتها إن كان على الصعيد الداخلي او على الصعيد العربي وخاصة المصري. الامر الذي دفعها لاتخاذ مجموعة من الخطوات التدريجية لاعلان رفضها لخيار المصالحة، اولا تصاعد حملات التحريض على شخص الرئيس محمود عباس وحكومته؛ ثانيا العمل على تعطيل حكومة التوافق الوطني من خلال تفعيل دور حكومة الظل الحمساوية؛ ثالثا تنفيذ سلسلة من التفجيرات امام مكاتب ومنازل القيادات الفتحاوية ووزراء حكومة التوافق الوطني على مراحل؛ رابعا اخذ القانون باليد، وإطلاق العنان لظاهرة الفلتان الامني في قطاع غزة؛ خامسا الترخيص لتنظيم «داعش» لتقصم ظهر المصالحة الوطنية. 
هذه وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للسلم الاهلي في محافظات الجنوب، ارادت من خلالها ارسال رسائل عدة للجميع فلسطينيين وعرب، اولها ان حركة حماس قادرة على «قلب الطاولة» على رأس الجميع منظمة وحكومة وقوى وشعبا، إن لم تستجيبوا لاملاءات حماس وقيادتها العسكرية المتنفذة ودفع فاتورة الرواتب، والقبول بالامر الواقع ودور حكومة الظل، سنطلق العنان لكل المسميات الجهنمية في قطاع غزة؛ ثانيا التأكيد على انه لا وجود لوزارة الداخلية الشرعية، وان حكومة الظل، هي وحدها صاحبة القول الفصل في محافظات الجنوب؛ ثالثا كما ان حماس ارادت التأكيد للجميع، بامكانية خلط الاوراق كلها في الساحة الفلسطينية، والتخلي عن شعرة معاوية مع الرئيس عباس والمنظمة والحكومة والقوى، التي لم تستجب لدعوتها مؤخرا بعقد مؤتمر لايجاد «لجنة لادارة القطاع»؛ رابعا كما انها ارادات القول للقيادة المصرية، اننا «حماة داعش» وغيرها من التنظيمات التكفيرية، وان لم تسمحوا بفتح المعبر، فإن حماس ومشتقاتها الدواعشية ستواصل إرهابها على الجيش المصري؛ خامسا شاءت التأكيد على ان رهانها مازال قائما على عودة الاخوان لحكم مصر. رغم كل التصريحات التضليلية تجاه الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظامه السياسي؛ خامسا بالمقابل ارادت اعطاء إسرائيل المبرر والذريعة لتنفيذ اي جريمة حرب جديدة ضد الشعب الفلسطيني؛ سادسا كما انها بذلك ارادت ان تقول لاوروبا والعالم، ان اتخذتم اي قرار ضد حماس، فإننا نملك الرد على سياساتكم. كما انها ايضا شاءت ان تقول لاوروبا عليكم دفع فاتورة رواتب موظفي الحركة. 
التظاهرة الداعشية ليست خطوة في الهواء، بل خطوة مدروسة ولها دلالات سياسية وامنية خطيرة تمس بمستقبل الوحدة الوطنية، الامر الذي يفرض على القوى الرسمية والاهلية اتخاذ ما يلزم من الخطوات الوطنية الضرورية لردع وتصفية آثار هذه الخطوة المجنونة.