خاص - مجلةالقدس/ في الذكرى الثانية عشرة لانطلاقة انتفاضة الاقصىعام 2000م، التي نشهد بانها حفرت مداميك كيان اسرائيل، خاصة انها كانت انتفاضة حمراء،لا بيضاء، وفي ظروف معقدة جدا.

 

تسابقت عليها التياراتالوطنية والاقليمية، وكل له مبتغاه، لكنها انتفاضة مع الفرق بالاسلوب والظروف والواقع،ما بينها وما بين انتفاضة عام 1987، والتي تميزت باعجاب العالم بها، لانها كانت انتفاضةبيضاء جلبت لمنظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها اعتراف العدو بهما.

 

لقد انطلقت شرارةانتفاضة الاقصى يوم 28/8/2000م، في ساحات المسجد الاقصى بالقدس الشريف، إثر محاولةاقتحام المستوطنين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ارئيل شارون ( الميتسريريا حتى اليوم) رمز التطرف والوحشية الصهيونية، المسؤول الاول عن مذبحة مخيم صبراوشاتيلا عام 1982م في بيروت والذي لم يمض على ذكراها اسابيع .

 

واقع انتفاضة الاقصىعام 2000م، انه كان بعد اتفاق اوسلو الشهير الذي وقعته حكومة الاحتلال الاسرائيلي،وقيادة منظمة التحرير عام 1993م، وكان قد اقيم بموجبه حكم ذاتي انتقالي، وقد اطلقناعليه اسم (السلطة الوطنية)، اتفاق مرحلي كان يجب ان ينقل الشعب الفلسطيني خلال ثلاثسنوات الى دولة فلسطينية مستقلة لكن اسرائيل والمستفيدين من هذا الاتفاق قد فشلوا بتحقيقذلك، سواء لعدم التزام الاولى بذلك، او لان هؤلاء غرقوا بواقع المصالح الذاتية وتحولواالى طبقة مستفيدة من امتيازات هذا الاتفاق الظالم لشعبنا وقضيتنا، مما ادى الى تكريسالاحتلال والاستيطان وتهويد القدس .

 

ان ثقافة شعبنالم ينسجم معها هذا الاتفاق الذي جاء بحل جزئي لا يتسع لقدم طفل فلسطيني والشعور العاملدى جماهير شعبنا، بانه خدعة قامت بها اطراف متعددة، ادت الى تشويه صورة نضالنا وحقوقنا،وقضيتنا، حيث الاحتلال الاسرائيلي اراد لهذه السلطة ان تكون وكيلا له، تزيل عن كاهلحكوماته العبء الكبير من المسؤوليات ازاء واقعنا الفلسطيني، بالرغم من ادعاء البعضان هناك الكثير من المكتسبات قد تحققت في السنوات الماضية.

 

وبعد اندلاع الانتفاضة،باسلوب جماهيري واسع، وبعد احساس هذه الجماهير بالظلم، مما يجعلها تنتفض على الواقع،ليسمع العالم صوتها اصدقاء واعداء، ان الحقيقة لا يمكن دفنها تحت التراب وان الظلملا يمكن ان يزول الا بالثورة الشعبية.

وهذا ماسعت لهانتفاضة الاقصى، والانتفاضة الكبرى، وغيره من كفاح شعبنا المغبون باتفاق ظالم، كانلصالح تكريس الاحتلال.

 

السلطة والانتفاضة:

لم يعتد شعبنافي السابق ان يناضل الاحتلال بوجود سلطة، فالسلطة والمقاومة نظرية لم تنسجم مع بعضهاالبعض، كما هو في دول اخرى، فالانتفاضة شيء والسلطة شيء اخر، خاصة كالنموذج الموجودفي البلاد.

 

لذا حاولت قواتالاحتلال ان تضرب في اتجاهين الاول تدمير الانتفاضة الفلسطينية بكل الوسائل العسكريةالوحشية، لتحقق الضغط العالي جدا على السلطة، والثاني ان تضرب السلطة الى مستوى معينوتشل حركتها ووجودها، وتحويلها الى حالة بائسة لا يصلح معها شيء، اي ان تجعل هذه السلطةومؤسساتها الهشة حاجة مستقبلية يلهو بها الناس، اذا ماتحققت خطط العدوان الاسرائيليالوحشي، والذي تترجم بالقصف والتدمير والاذلال والعقاب الجماعي، والحصار واقامة الحواجز،وتوسيع الاستيطان وتسريع خطوات ومخططات تهويد القدس، وغير من العقوبات الاقتصادية والنفسية،والامنية والاعتقالات، وخنق الواقع الفلسطيني في كل مقوماته.

 

وقفت السلطة عاجزةامام الهجوم الاسرائيلي الواسع والكاسح، بعد اجتياح المدن والقرى والمخيمات، وحاولتقيادات السلطة ان تقود الواقع، لكن بحذر شديد، وعجز ملموس فذهبت المبادرة الى المجموعاتالنضالية والتيارات الشعبية المتعددة، وبما تستطيع له بعض الفصائل والتيارات، وقد انتقلتالانتفاضة وبسرعة الى تبني النضال المسلح، مما زاد من الهجوم الاسرائيلي الوحشي علىالجماهير وقواها المناضلة، والحاق الاذى والضرر بها بشكل مضاعف، فقد كانت نسبة القتلاليومي في بداية الانتفاضة يتراوح ما بين 14-20 مواطناً يقتل برصاص قوات الاحتلال والمستوطنين.

 

التياراتالمسلحة والانتفاضة:

لا يمكن مساواتالتيارات المسلحة التي اتبعت طريق المقاومة بدوافع واهداف واحدة، فقد كان هناك من بينها،يريد اسقاط السلطة وافشال المشروع السياسي، عبر تصعيد العمل المسلح والعمليات العنيفةضد المدنيين والمواقع الاسرائيلية، وذلك سعيا وراء ردة فعل اسرائيلية همجية، تحرق الاخضرواليابس، وهي مجموعات مسلحة عملت قبل انطلاق الانتفاضة عام 2000م، وهناك مجموعات تسلحتوانطلقت بعد اندلاع الانتفاضة، مما يعني انه قد اختلط الحابل بالنابل، واخذ الجميعيتسابق بجنون وراء تحقيق اكبر قدر من العمليات المسلحة والتفجيرات، وقد جاء في تقريرللشرطة الاسرائيلية في السنة والنصف الاولى للانتفاضة.

 

ان اكثر من خمسةوعشرين الف عملية مسلحة قد وقّعت، براءة هذه الانتفاضة، ونظافة دوافعها، لكن حساباتالبيدر لم تطابق حسابات السهل، علما ان هذه القوى ارادت من هذه الانتفاضة ان تزيح الانظارعنها، وعن دولها، او ان تستفيد من وراء اعلان دعمها ماديا واعلاميا ما يمكن، تحت عنوانالمساهمة بتصعيدها، علما ان الامر اصبح متسارعا اكثر من حاجة الوضع القائم في فلسطين،وكان الاحتلال سيهزم غدا او بعد غد، او يستسلم وينهار بسرعة، صحيح ان العمل المسلحلعب دورا هاما، لكنه اعطى عذرا كبيرا، امام العالم، ان اسرائيل تحارب الارهاب الفلسطيني،في وقت تركب موجته الولايات المتحدة الامريكية التي اعطت الضوء الاخضر لحكومة شارون،بتدمير كل شيء، واملاء السجون والمعتقلات بآلاف الفلسطينيين وتدمير كل ما يقف امامهجومها الدموي في جميع البلاد، نفذها مجموعات فلسطينية، وللاسف كان هذا يجري دون قيادةموحدة، او قيادة مركزية، نظام المجموعات والمبادرة الفردية.

 

لقد كان تسارعالعمل، ليس لصالح الانتفاضة الشعبية، وكان الجميع كان يسعى الى خلط الاوراق على الارض،والقفز الى المجهول، ولا شك ان انقسامات قد وقعت بين الاطراف وخاصة المستوى السياسي،هناك من ارادها انتفاضة جماهيرية ( بيضاء)، وهناك من ارادها مقاومة مسلحة (اي انتفاضةحمراء) تغرق بالدم والدمار وربما بسرعة، لم يفهم هؤلاء ان العمل الجماهيري له خصائصهوظروفه.

 

فتغلب اللون الاحمرعلى الابيض، واصبح الجميع يبحث عن حمل السلاح، الا الجبناء طبعا.

لم يعد احد قادراًعلى الامساك بالامور، طبعا دخلت قوى اقليمية في المنطقة ودفعت الى الهاوية.

 

الاهداف والانتفاضة:

الانتفاضة كانتومازالت شكلاً من اشكال النضال الوطني الفلسطيني، وستبقى فلسطين ام الانتفاضات حتىلو ملات الوطن العربي، فهي اسلوب جماهيري شعبي ميداني، يمكنه ان يحقق اهدافاً سياسيةووطنية .

اذا ماتوفرت شروطه،واحسن الاداء، وتعززت الوحدة الوطنية ككيان اجتماعي واقتصادي وسياسي .

 

والا لماذا تخوضالشعوب هذا الاسلوب؟ فالانتفاضة بدون قيادة سرية او علنية، تلتصق بالجماهير وكفاحهاخطر حقيقي يهدد استمراريتها قبل تحقيق اهدافها، كذلك الامر الانتفاضة بدون اهداف سياسيةووسائل اعلامية ورأي عام محلي ودولي، ودعم مادي ومعنوي، وجبهات مساندة ستكون لوحدها،ويمكن للعدو ان يستفرد بها، والانتفاضة الشعبية لونها العام (ابيض).

 

اي انها تتبع الادواتالعادية بالنضال، والبيضاء وهي الاكثر صبرا، وضمانة، وتأثيرا في معادلة الصراع وخاصةفي حالة كفلسطين .

 

وهنا قد يختلفالبعض مع ذلك، لكننا شاركنا بالانتفاضتين ميدانيا، وقياديا، ونعرف ما هما التجربتانوالفارق بينهما، ودون مزايدة على احد، لا يحرث الارض الا عجولها، وما اشبه الامس باليوم،يدور الحديث منذ سنتين عن انتفاضة ثالثة، وربما قل الحديث عنها اليوم مع الحراك العربيالسائد في بعض الدول، ولما في الافق من مؤامرات عالمية، لضرب العرب بالعرب، وهو الامرالذي جعل المواطنين يفكرون، وينتظرون، بالرغم من سوء الاحوال السياسية والاقتصاديةوالمعيشية وهكذا....

 

لكن الحقيقة تشيران انتفاضة ثالثة قادمة ولن تتوقف، فالصراع العربي الاسرائيلي وصل اوجه، ودون مخرج،والطرف الفلسطيني وقضيته العادلة في حالة عزلة مستمرة، وتراجع، وعجز والشعب في خدعةالحل السلمي البعيد المنال، واسرائيل مستمرة بعدوانها، واستيلائها على الارض، وتهويدالقدس، والترانسفير يجري على الارض دون رؤيته من الجميع، والسلطة الفلسطينية لا سلطةلها وفي حالة انهيار اقتصادي ومالي، وعجز واضح وملموس للقيام بوظيفتها، خاصة بعد انانتهت صلاحيات اتفاق اوسلو، وعدم التزام حكومات احتلال اسرائيل باي من هذه الاتفاقات.

 

ان الازمة الاقتصادية،والرياح العربية، والتوتر الاقليمي والعالمي، وتراجع القضية الفلسطينية في اهتمام العالم،وضياع الوقت، وخدعة العشرين عاما الماضية، وعدم جدوى التفاوض، وغياب الحل السياسي،ولم يبق سوى التصويت في الجمعية العامة على عضوية دولة فلسطين غير العضو في الامم المتحدة.

 

وهو الامر الذياذا ما تحقق في الاشهر القريبة، ستشن حكومة الاحتلال الاسرائيلي، حربا من الاجراءاتالقمعية ضد الواقع الفلسطيني المعيش، من حصار مالي،الى اعتقالات، الى توسيع الاستيطانوتكثيفه كما هو جار، وتهويد القدس وربما هدم المسجد الاقصى، لجر الشعب الفلسطيني الىمواجهة عنيفة، تتخذها، مبررا لاقتحام وتدمير كل ماهو قائم، استغلالا لحال الفلسطينيالمنقسم، والمترهل والذي يغرق بالفراغ، والافلاس المالي، وعناد فئة في حماس اعلان امارةفي غزة والاستفراد بها، حتى يعود هؤلاء منتفخين بالمصالح والاموال، والامتيازات، تحتما نسمعه من مسميات وشعارات.

 

غزة التي تحولتالى عبء على نضال شعبنا وقضيته طالما هذا الانقلاب قد تأسس وتحول الى اقليم مستقل،بدعم من المتآمرين على شعبنا، وقضيتنا، واذا ما اندلعت هذه الانتفاضة فان هدفها الاولوالاخير زوال الاحتلال والاستيطان، وتحرير القدس، وعودة اللاجئين، ولا احد يملك سقفاسياسيا أعلى من هذا السقف وان هؤلاء الذين خرجوا عن السرب، سيسقطون مع اندلاع هذه الانتفاضة.

 

بكلمة اخيرة: لقدكانت انتفاضة الاقصى ذات اهداف واضحة، ومنطلقات سليمة، طالما هذه الانتفاضة عبرت عنارادة شعبنا وتطلعاته بالحرية والاستقلال، وقد اسقطت هذه الانتفاضة محاولات كامب ديفيدالذي اعتقد العدو وحلفاؤه، ان يثني ارادة شعبنا، وبالتالي جاءت للدفاع عن حقوقنا الوطنيةالثابتة، وما على قيادات العمل الفلسطيني الا اخذ العبر والدروس واحترام ارادة شعبنا،وتطلعاته، وان يكف البعض عن اللهو، والهروب الى الخارج، والاذعان الى المصالح الاقليميةالمؤقتة، ولا يصلح كل من يحاول ان يناور لتحقيق مصالحه الحزبية على حساب المصلحة الوطنيةالاساس، وقضيتنا العادلة، وسيعلم هؤلاء اي منقلب ينقلبون، وستبقى خصائص النضال الوطنيالفلسطيني ثابتة، واضحة، لا تقبل التوظيف الى اي جهة كانت، بالرغم من سوء الاحوال،لكن الحقيقة باتت جلية وواضحة للجميع.