خاص- مجلة القدس/ اختلفت ردود الأفعال السياسية بحسب انتماءات كل الذين أدلوا بآرائهم تجاه تحليقطائرة الإستطلاع- أيوب- فوق فلسطين المحتلة.

ازدادت أهمية الحدثبعد ظهور الأمين العام لحزب الله واعترافه المباشر بمسؤولية المقاومة الإسلامية، وبأنتحليق الطائرة رد على أكثر من 1600 اختراق اسرائيلي للأجواء والسيادة اللبنانيتين منذالعام 2006- تاريخ صدور القرار الأممي 1701.

أيوب- الإسم السياسيللأنثى الطائرة- حلقت فوق الواقع الإقليمي والدولي الذي لا يحتاج لاجتنابها ويشرح ويؤكدتوتره ووقوفه على مفارق انفجارات كبرى يبدو أن البعض يريد تبديل مواقعها وارتداداتها.

اسم أيوب طالماعنى الصبر على قساوة الظروف وشدائد الحياة. إلّا أنه جاءنا هذه المرة متعجلاً، ومحاولااختراق واقع محتدم متصادم كل المفارقات فيه تلتقي- تفترق وتقاطع، وهو لا يختصر بالمنطقة،بل يتعداها إلى تصفية حسابات وتعزيز مواقع وشروط على مستوى العالم.

وإذا تختصر ردودالأفعال بموقفي المعنيين المباشرين في الحدث، مما يسهِّل علينا محاولة إشباع فضولنافي استشراف ما يجري حقيقة داخل سوريا وحولها.

فإيران- مصدرةالطائرة- الرسالة- أرادت التأكيد على ثبات موقعها الإقليمي وقدرتها على الحضور كلاعبأصيل قادر على تغيير وقائع وتعديل أولويات.

كذلك قال مضمونالرسالة: إن إيران رمت فقاعة صغيرة أصابت قلب الأمن الصهيوني وكشفت هشاشة حصونه وأكذوبةدروعه العسكرية والصاروخية تحديداً.

تنطلق إيران منمعادلة تعتبر أن ما يجري في سوريا ليس استهدافا لنظام البعث وآل الأسد فقط، بل مساسمباشر بالمدى السياسي الذي تتمثل فيه، وبأن محاولة إسقاط نظام الممانعة في سوريا يشكلخطوة لاقتحام عرين الجمهورية الإسلامية.

لذلك فإن وقوفهاإلى جانب النظام في سوريا يتعدى السؤال عن السبب الأخلاقي والديني إلى اعتبار قيامهابواجب سياسي- دفاعي واستراتيجي يلامس المنظومة الدفاعية التي تحمي العمق الإيراني وتشكلفي الحال ذاته المكون الهجومي الرادع في جزء منه كل محاولي اللعب في المنطقة، أي: تركيا-دول الخليج العربي، إسرائيل- العدو الذي يستحضر بوصلة الصراع الأصلية. وبالطبع اللاعبونبحسب القراءة الإيرانية هم منفذو الأجندة الأميركية- الأوروبية في مواجهتها.

وجهة النظر الأخرىفي المنطقة تنظر إلى مسألة "أيوب" على أنها دليل ضعف وفقدان ضوابط على مستوىالأداء السياسي. فالإقتصاد الإيراني بدأ حالة الضمور والتعب. وأن مسألة استمرار إنعاشهالنظام في سوريا على حساب مردوده الإقتصادي يزيد عبئاً إضافياً عليه، خاصة حين نكشفأن الحرب الدائرة في سوريا طويلة وغير مفتوحة على احتمال مقنع باقتراب انتصار النظامأو إنتاج تسوية تحفظ مكانتها ودورها الحالي.

بالطبع هناك حصةأساسية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل من رسالة الطائرة. فسياسة الانكفاء والتريثالتي اعتمدتها إدارة الرئيس أوباما تجاه سوريا والملف النووي الإيراني مطلوب استمرارها.وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن عليها التوقف عن التهديد الدائم بتدمير المنشآت النوويةالإيرانية. وبأن لدى إيران مصادر تهديد أخرى يجب أخذها بالحسبان، ناهيك عن محاولة إيران-ودائماً حسب المصادر الأخرى- إثارة غريزة نتنياهو الدائمة للقيام بعمل عسكري ما فيلبنان، مما يتيح إفلات سوريا عن رأس قائمة أولويات التغيير، وهو الأمر الذي لا يبدوأنه سيحصل الآن، ليس عفة أو تنازلاً من قبل رئيس الوزراء الأكثر عنصرية وتطرفاً منذقيام الكيان الصهيوني، بل لأن ما يبدو ضبطاً للنفس ما هو إلا التزام بقرار عدم منحالقيادة الإيرانية- السورية ما تريا فيه نافذة لهما للخلاص من الأزمة الثقيلة التييواجهانها.

أما وجهة النظرالثالثة التي نطل من خلالها، فإنها تقول التالي: سوف تطول المراوحة السياسية التي نشهدهاالآن لشهور أخرى، لأن المشهد الإنتخابي في الولايات المتحدة- المأزومة إقتصادياً- لايراد له الإهتزار قبل مرور الإستحقاق الذي يمنح أوباما تفوقاً على غريمه الجمهوري.

كذلك فإن الولاياتالمتحدة ومعها أوروبا تحتبئ وراء ثنائيي الفيتو- روسيا والصين- لتبرير سياسة النفسالطويل التي تتعمد التزامها وصولاً إلى الظروف التي تنكشف خلالها إيران على إفلاس اقتصاديخطير يفكك بنيتها الإقليمية ويهدد تماسكها الداخلي وبالطبع يصرف النظر عن السخاء الممارسعلى تخصيب اليورانيوم وإنجاز حلم الإنتساب إلى نادي العالم النووي.

كذلك فإن الولاياتالمتحدة وأوروبا معنيتان برفع حدة التباعد والكراهية بين الحلف الإيراني المؤيد للنظامفي سوريا وبين مختلف مكونات المجتمعات العربية المؤيدة للتغيير في سوريا والناقمة علىالإنحياز السياسي والأخلاقي لإيران وحلفائها، خاصة حين نشهد غلواً مذهبياً يطغى علىالسياسة، تعززه شلالات الدم التي تنزفها أشلاء الموتى والمصابين في حرب تدور رحاهابوحشية وانتقام أعمى بين الأهل والأخوة وأبناء البلد والمدينة والقرية والحارة والبيتالواحد في سوريا.

احتدام الصراعفي سوريا دليل على صرامة المسارات السياسية غير المؤهلة وغير القانعة بأنصاف الحلولوإنتاج التسويات، بحيث بتنا أمام مشروعين متصادمين، بكل ما للكلمة من أبعاد، وهي تدوربواسطة وكلاء ووكلاء أصغر.. وفي حال استمرارها تزداد صعوبة السيطرة عليها ولجم القوىوالفاعليات التي تشكلها، ناهيك عن خطورة تمددها وعبورها حدود بلدان أخرى، كلبنان مثلاًالذي بدأ بدفع حصته من فاتورة الحرب في سوريا، بحيث يمكننا التأكيد على الارتباط الوثيقبين متفجرة الأشرفية عصر ال 19 من تشرين الأول الجاري وبين ما يحصل في سوريا، بصرفالنظر عمن هو المستهدف المباشر فبذلك العمل الإجرامي الذي أودى بالعميد وسام الحسنوالعديد من المواطنين اللبنانيين.

للأسف، لا تلغيسياسة الحياد الإيجابي ما تشعر به من راحة ضمير واعتدال وبحث عن المشترك بين المتصارعينللمراكمة عليه ومحاولة الإنطلاق منه نحو تسوية لا بد أن تحصل. السبب طبيعي وبديهي،وهو ضعفه وقلة الإصغاء إليه، لأن فرقاء الصراع والمنتمين إلى جبهتيه تسيطر على حواسهمومداركهم العصبيات والأهداف المرتبطة بالاستحواذ والسيطرة، بحيث تتجمد المواقف عندثقافة "إما معنا أو ضدنا" المتوارثة على مدى تاريخ تجارب المنطقة ومفارقخياراتها وهو ما ينتقص من أهمية سياسة الإعتدال التي تنتمي إلى سياسة الجمع لا التفريق.

وبناءً على ماسبق، هل نصنف تحليق طائرة الإستطلاع الإيرانية في سماء فلسطين المحتلة كإنجاز للمقاومةضد إسرائيل، أم أن مسألة استحضار الصراع ضد العدو أسقطت تمويها ومحاولة لحرف الواقععن مساره الحالي، كنموذج مكرر لمسيرات العودة في مارون الرأس ومجدل شمس؟

بالطبع لن تتطابقالإجابات على السؤال الكبير، لارتباطه بسياق صراع ورسوخ ثقافات وأمزجة مختلفة. لكنالإجابة المحايدة ترد بنعم.

وإذا كان قدر الفلسطينيوقضيته أن يكونا الوعاء الفضفاض الذي يتسع لكل من يدعي التزام واجب تحرير فلسطين، فإنهبالمقابل مطالب وبإلحاح- إلحاح لا يشبه التمني، بل التهديد الذي يكلف أرواحاً ومصائر-بأن يكون هنا ويكون هناك، وممنوع عليه أن يختار الوسطية والحياد، فيما هو ورغم المخاوفوترددات الواقع القاسية عليه بقي ولم يزل ثابتاً عند خيار حياده.

وإذا كانت"أيوب" رسالة إيرانية وتبني إطلاقها من قبل حزب الله بصفة الرد على الخروقاتالإسرائيلية، فإن حلقة الإلتباس تتسع والتجاذبات الفلسطينية الداخلية حول الحدث تتنوعوتتقاطع قليلاً، دون أن يعفي ذلك الجميع من التزام المصلحة الوطنية الفلسطينية حصراً،لأننا بالمقابل نشهد مصافحات وإنخاباً متبادلة بين سفيري مصر والأردن مع رئيس الكيانالإسرائيلي مشعون بيريز، دون أن نستطيع تنسيب الأمر للضرورات السياسية التي يعود أمرتقديرها لقادة البلدين العربيين، وبالمقابل يضعُ حماس المأزومة والمفككة بين انتماءاتوتيارات ومذاهب أمام المزيد من المفارقات والأسئلة البنيوية المعقدة، بل والمستحيلةأيضاً، بحيث يصيبنا وإياها بالفشل في تحديد هويتها السياسية الآن، وعلى الرغم من الرافعةالقطرية التي تحاول التسلل تحت مسمى إعادة البناء وتطوير قطاع غزة.

بعض حماس أعلنتأييده للثورة في سوريا، بعضها الآخر لم يزل يدوّر زوايا العلاقة مع المرجعية الإيرانية،الجذر الفكري لحماس هو الإخوان المسلمون، والأخوان الآن يتبادلون الانخاب المرة معشمعون بيريز. حماس الأصلية من تكون وأين هي الآن؟.

وعي ويقظة القيادةالفلسطينية المتشدد تجاه النأي بالقضية وشعبها عن تجاذبات واقع المنطقة تدفع ثمنه حصاراًقاسياً، يقابله هجوم إسرائيلي غير مسبوق على الرئيس محمود عباس، الذي يرفض قضية شعبهأسفل لائحة الاهتمامات والأولويات الدولية والإقليمية.

أخيراً، كم"أيوب" أصلي يلزم شعوبنا خلال هذه الفترة لكي تستطيع حمل ما تعانيه من هموموأثقال. كم من الصبر تحتاجه لعبور المرحلة الأخطر في صراعنا الداخلي؟.