"أذهب إلى المستوطنات. أجلس معهم. أبكي معهم. أقول لهم: هذا قرار حكومة إسرائيل.. وهذا حسم دولة ديمقراطية. لا مفر لنا"!
هكذا كان جواب رئيس دولة إسرائيل العاشر، رؤوبين ريفلين، على سؤال: ما موقفكم لو قررت الحكومة إخلاء عشرات المستوطنات شرقي الجدار.
سيبكي؟ نعم، فقد بكى عندما كاد يخسر لصالح مئير شتريت، منافسه الأقوى من بين ستة مرشحين لمنصب الرئيس العاشر لدولة إسرائيل. يقولون، في العربية، عن العين غزيرة الدمع إنها "ممراح".
بعد رئيس دولة تاسع، هو "الاشكالي" بدوره شمعون بيريس، لجهة خلافاته السياسية مع رئيس الحكومة نتنياهو، سيكون الرئيس العاشر "إشكاليا"، أيضاً، ولكن خلافاته مع الرئيس العاشر للحكومة "غير شكل" ليس لأن بيبي (وسارة؟) عاداه ودعم منافسه شتريت، ثم صالحه على مضض، بل لأنه ليكودي مثله، ومن أنصار "بيتار" مثلما كانت تسفي ليفني وايهود اولمرت، لكنه ديمقراطي.
ريفلين مقدسي المولد، سليل جيل ثامن يهودي هاجر للبلاد في القرن التاسع عشر، ومؤيد لأرض إسرائيل (عارض فك الارتباط عن غزة، ودعم مستوطني قلب الخليل) لكن هذا اليميني العريق ديمقراطي أصيل، برهن عن ديمقراطيته عندما ترأس الكنيست الثامنة عشرة، وتعامل مع رئيس الحكومة دون محاباة وكمجرد عضو آخر في الكنيست، ما أثار شحناء وبغضاء بينه وبين رئيس الحكومة.
هل سيعتدل سليل بيتار، مثل ليفني واولمرت سياسياً، أو كما اعتدل سليل "العمل" شمعون بيريس؟ على الأغلب كلا، لأنه "رئيس شرقي" كل سلطاته الدستورية أن يكلف رئيس الحزب الفائز بتشكيل الحكومة، وحتى إذا تمكن من تأليف ائتلاف أكبر مقاعد رئيس الحزب الفائز، يمكنه تكليف رئيس وزراء آخر.
الصورة هذه لم تكن عادية بين رئيس الوزراء العاشر ورئيس الدولة التاسع، شمعون بيريس، الذي "تدخل" سياسياً في خلافه السياسي مع رئيس الحكومة وحكومته، وصار شخصية إسرائيلية وعالمية مرموقة، رغم تاريخه الشخصي "متآمر لا يكل عن التآمر" كما وصفه اسحاق رابين، ورغم أنه مؤسس أول مستوطنة (ألون موريه) خلافاً لرأي رابين.
ما الذي يعنينا في الأمر؟ إذا كان في إسرائيل والعالم من يقول إن "حل الدولتين" هو حاجة وجودية لإسرائيل، فإن ريفلين يرى هذه الحاجة من زاويته: "خيارات شراكة حقيقية بين اليهود والعرب (في إسرائيل) هو حاجة وجودية".
لذلك، ستكون كفر قاسم، لا مستوطنة "يتسهار" ولا "ايتمار"، أول زيارة لرئيس الدولة العاشر ليقدم اعتذاراً عن مذبحة العام 1956، ولتأكيد "ديمقراطيته" في أن الشراكة الحقيقية بين شعبي إسرائيل هي "حاجة وجودية"؟!
هذا يعني أنه مع "ارض إسرائيل" شاملة الضفة الغربية، لكنه ليس مع "دولة إسرائيل" كدولة "يهودية" أو دولة يكون يهودها "متساوين أكثر" وفلسطينيوها "متساوين أقل".
هل سيؤدي هذا المسار للرئيس العاشر إلى الاعتذار عن دور إسرائيل في "النكبة"؟ وإذا كان مع "شراكة كاملة" للفلسطينيين في إسرائيل، فهل ستكون شراكة مواطنية كاملة في "أرض إسرائيل" وهل هذا هو الحل للخلاف الناشب في إسرائيل بين دعاة الضم ودعاة الانفصال؛ دعاة الدولتين ودعاة الدولة المشتركة، أو حل وسط: دولة يهودية مع أقلية قومية عربية، ودولة فلسطينية مع أقلية دينية يهودية؟
ليس رئيس الدولة هو من يحسم في القرار، لكن الحسم المصيري يقترب، بينما نتنياهو يناور في الحسم بين الانفصال والضم المختار، وبينما الخلاف القديم كان بين الصهيونية العمالية، والصهيونية التصحيحية (حيروت/ الليكود) وصار بين الصهيونية العلمانية الإسرائيلية، والصهيونية الدينية اليهودية، ما سبّب فصم عرى التحالف بين "يش عتيد" الإسرائيلي و"البيت اليهودي" اليهودي.
سنرى في خطاب الاعتذار الرئاسي في كفر قاسم كيف سيحدد ريفلين هوية الفلسطينيين في إسرائيل. هل هم "عرب إسرائيل" أم هم الشعب الفلسطيني في إسرائيل؟
كان رئيس "إشكالي" هو عيزر وايزمن قد قال: إذا اعترفت أن سكان المناطق هم فلسطينيون فماذا أقول عن عرب إسرائيل؟
يقولون، في العربية، إن "من شابه أباه ما ظلم" ونتنياهو وفيّ لوالده التوراتي بن تسيون نتنياهو (وزوجته سارة؟) وأما ريفلين فربما كان وفياً لوالده يوئيل ريفلين، الذي انسحب من المنافسة على منصب الرئيس قبل 60 عاماً خشية فشله أمام شعبية اسحق بن زفي. المسألة أن والده كان ضليعاً في العربية، بحيث ترجم القرآن إلى العبرية!
كان أول رئيس للدولة هو حاييم وايزمان، بروفيسور الكيمياء، وكان هناك افرايم كاتسير بروفيسور الفيزياء.. لكن في المنافسات على منصب الرئيس العاشر أحرز جائزة نوبل في الكيمياء دان شختمان صوتاً واحداً فقط.
الرئيس العاشر يتطلع إلى "فيزياء" لأرض إسرائيل، وإلى "كيمياء" لشعبي دولة إسرائيل. يميني من دعاة الضم الأرضي، ديمقراطي من دعاة المساواة في المواطنية. آسر وجذاب و"سريع البكاء".. وصورة عن الوضع "الإشكالي" لإسرائيل، وللحلول السياسية.
كانوا يريدون في إسرائيل رئيس وزراء حاسما قويا على غرار بن غوريون وبيغن ورابين وشارون، فإذا برئيس الدولة يأتي على غرار بيغن: يميني وديمقراطي.