ظن الصهيونيون الأوائل أن إرهاب الفلسطينيين العرب وإخراجهم من ديارهم سينسيهم حق العودة إليها، وأن الفلسطينيين سيتنازلون عن حقوقهم السياسية وسيذوبون في البلدان التي هجروا إليها، مرددين مقولة "الكبار يموتون والصغار ينسون". لكن الفلسطينيين أظهروا تمسكهم ببلادهم وحقوقهم، خاصة بعد أن تبين للعالم أن الفلسطينيين إنما أكرهوا على الخروج بقوة المذابح التي قادتها المنظمات العسكرية الصهيونية.
66 عاما وما زالت استراتيجية "النكبة المستمرة" تتجسد، إسرائيليا، على الأرض. لكن التحركات والمقاومة الشعبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أثبتت للعالم أن هناك صمودا فلسطينيا عبر مقاومة سلمية فلسطينية، مع كثافة المشاركة الأممية وحتى الاسرائيلية، وبالتالي الدعم المتزايد الذي يلقاه هذا النوع من النضال الذي يستقطب كل يوم أنصارا جددا لخيار المقاومة السلمية في أوساط الشعب الفلسطيني، وهذا ما نراه يوميا يترسخ في مناسبات وطنية عديدة كيوم الأرض أو ذكرى "النكبة 1" في 1948 و"النكبة 2" في 1967. ولقد أثبت الفلسطينيون أن صمودهم يأخذ أشكالا عديدة، سواء على الأرض، عبر المظاهرات والمسيرات التي تتصاعد في كل مناسبة خاصة مع استمرار الاستعمار/ "الاستيطان" وقرب اكتمال جدار الفصل العنصري. وكأني بالفلسطينيين أدركوا أن ربح المعركة يوجب تنظيم الجهد الشعبي الوطني الفلسطيني على نحو يستهدف تجسيد مقاومة جماهيرية متعاظمة تنتشر وتمتد في الأراضي المحتلة. أضف إلى ذلك، صمودا في مسألة الذاكرة التاريخية والإصرار عليها وما هو ما نلحظه تماما في المواقع الالكترونية المتخصصة في مسائل التهجير والعودة والحركات الشبابية التي تقيم مسيرات العودة إلى القرى المدمرة.
أما إسرائيليا، فرغم أن حكومة اليمين المتطرف ماضية في غيها وإصدار القوانين الفاشية، إلا أن هناك دعوات متزايدة في أوساط الإسرائيليين تدعو إلى الاعتراف بالنكبة، فمثلا تعتبر جمعية "ذاكرات" الإسرائيلية، التي قامت بهدف تعريف النكبة إلى الجمهور اليهودي في إسرائيل، وكذلك اعتراف وتحقيق لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم وفقًا لقرار الأمم المتّحدة رقم 194، تعتبر، إحدى أنشط الجمعيات التي ترى أن "تحمل اليهود المسؤولية عن حصتهم في النكبة الفلسطينية هو شرط حتمي لإرساء سلام عادل ومصالحة". وتؤكد أن "حق العودة يجب ألا يكون متعلقًا بطابع التسوية السياسية النهائية في البلاد (دولتان، دولة واحدة، أو كونفدرالية)، بل إنه شرط سابق لتلك كلها". وقبل أيام، قامت المنظمة غير الحكومية بإطلاق تطبيق للهواتف الذكية يسمح للمستخدمين إيجاد قرى فلسطينية في أراضي 1948. ويشمل نطبيق "آي-نكبة”" خريطة تفاعلية وصورا لمبان ومنازل تركها الفلسطينيون خلال حرب 1948. وفي هذا الشأن، قالت (ليئات روزنبرغ) مديرة "ذاكرات": "هدفنا هو أن يعي اليهود الاسرائيليون موضوع النكبة، التي اقتلعت مئات الآلاف من الفلسطينيين من جذورهم". ومن جهته، كتب (إيلان روبنشتاين) يقول: "الحوار حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين، معدوم في إسرائيل. لقد حاولت في موضعٍ آخر، تقديم تفسير لذلك، على أساس الرعب الغريزي الذي يثيره الموضوع في نفوس اليهود الإسرائيليون، إذ يذكرهم بالجريمة التي اقترفوها سنة 1948، وأنهم هم، وبشكل شخصي، يقيمون مكان اللاجئين الفلسطينيين الذين جرى طردهم". ويضيف: "ربما لا داعي لأن أذكر هنا مدى الأهمية التي أراها في تعزيز الحوار حول قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، حيث ان الحل المبني على هذا الأساس هو شرط أساس للوصول إلى سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين". هذا، طبعا دون أن ننسى "المؤرخون الجدد" من الإسرائيلين الذين قدموا قراءة علمية، لما حدث في السنوات التي رافقت قيام "دولة إسرائيل"، مناقضة للرواية الرسمية الإسرائيلية. وقد ظهر هؤلاء في العام 1988 بعد كشف إسرائيل عن أرشيفها الوطني بموجب القوانين، فتوفرت أمام جيل جديد من الباحثين الإسرائيليين إمكانية الإطلاع على وثائق رسمية قديمة خاصة حول مسألة تهجير/ طرد الفلسطينيين في العام 1948. ورغم تنامي عدد "المؤرخين الجدد" فإن الأبرز اليوم ضمن هؤلاء المعترضين الناقدين، والذي بات يغرد بعيدا عن سرب المثقفين الإسرائيليين، هو الشاعر (نتان زاخ) – الألماني الأصل - الذي فتح النار على سياسات دولته، وقال إنه هرب من "دولة نازية ليجد نفسه مواطنا في دولة فاشية".