هي مزيج من الألم الشديد حتى اعتصار الأحشاء، والشعور العارم بالفجيعة لكن مع دفقات لا تنتهي من الأمل و الإرادة و التصميم ، وهي شعور بالانكسار الحاد و الاندحار، و الخيانة والجدب يقابله رغبة عارمة في بلوغ حدود الصحراء نحو السواد والتغيير والتجدد فالانقلاب .

إن اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم المستقرة منذ الأبد في فلسطين مثلت انقلابا حياتيا و نفسيا وفكريا وثقافيا، أدى بالفلسطيني لأن يفكر ويبحث ويتبنى ما شاء من الأفكار التي ظن أنها ستوصله أو تعيده لفردوسه المفقود... فكانت الثورة.

لقد حوّل الفلسطينيون المشردون مشاعر السخط الشديدة إلى ثورة، و مشاعر الحزن إلى حياة وأمل ، وحولوا لحظات الفراق والغربة والعيون الدامعة تفيض عطشا، إلى قبضات حديدية ممسكة بالبنادق والحجارة و المناجل.

في ذكرى النكبة يقفز إلى الذهن قرار التقسيم 181 و قرار اللاجئين 194 وقيام دولة (إسرائيل) وحرب الدفاع الفلسطينية (والعربية) ضد مغتصبي أرضنا، ونكبة العرب و الفلسطينيين باقتطاع جزء من جغرافيا أرضنا وشعبنا ، والبدء بتزوير التاريخ وفق سياسة الإحلال الصهيونية لشعب تمت صناعته حديثا مقابل الشعب الأصلي ، و الإحلال لمسميات توراتية ما أنزل الله بها من سلطان أو أنها تحريفات لمسميات عربية مكان تلك الفلسطينية ، وتهجير القوميات المعتنقة للديانة اليهودية في العالم إلى بلادنا فلسطين ضمن القاعدة الصهيونية العتيدة المتمثلة بـ (الهجرة و الاستيعاب) وفق ما صرح بذلك - وما مورس بالواقع – مؤسس الدولة ديفيد بن غوريون.

خمسة أشكال للمعاناة صاحبت نكبتنا هي: الشتات والتوزع في أرجاء المعمورة ، وتشرد الناس عن بلادهم وعن مواطن سعادتهم وملاعب طفولتهم وذكرياتهم و أحبائهم ، و اللجوء لأماكن أخرى افترض أنها مؤقتة فسقطت الفرضيات وساد المؤقت ، وما خالط ذلك من شعور بالألم و القلق والغضب و النزيف و التحفز الذي أنتج رغبة عارمة بالتغيير لما أصبح لاحقا ثورة، لذا فان في نفس وخاطر وروح كل فلسطيني اليوم 5 معطيات مختلطة معا ما شكلت أبعاد شخصيته هي (الشتات، و التشرد، و اللجوء، و المعاناة و الثورة ).

لم يبخل الفلسطينيون على بلادهم بالجهد أو المال أو الدم فحملوا رايات الكفاح منذ وطأت أول قدم صهيونية هذه البلاد التي لم تعرف عبر التاريخ إلا نحن ، ومن جاء كان طارئا عابرا مارا مرور الكرام أو اللئام.

خلقت (إسرائيل) خلقا و صنعت صناعة استعمارية فلا شعب و لا وطن في حقيقة الأمر ، فأنى يكون لديانة أي ديانة في العالم أن تترابط في إطار قومي بها، و أنى لقبيلة أي قبيلة سائدة أم بائدة عربية أم أعجمية أن تحتكر ديانة دونا عن خلق الله ؟ ومن أين لغرباء غريبين قوميين أن يدعوا الانتساب لعرب (قبيلة بني إسرائيل اليمنية العربية المنقرضة)؟ لكنه النفس الاستعماري الاستكباري الاستعلائي الغربي الذي نبذ وعذب واشمأز من معتنقي الديانة اليهودية قرونا طويلة ليجد الحل لهم وفق عقليته هذه بعيدا عنهم عندنا فيحققون أهدافهم بإبعادها المختلفة.