عام مضى وآخر بدأت ايام روزنامته تتوالى والوطن العربي من المحيط الى الخليج في العديد من المشاكل والقضايا المصيرية في العديد من شأنها ان تنعكس سلباً على تاريخه ومستقبله ومستقبل اجياله وكأن هذه الاحداث تعيد رسم خارطته الديمغرافية من جديد شبيهة بتلك التي رسم حدودها وزير خارجية فرنسا وبريطانيا سايكس – بيكو من بدايات الماضي القريب مع فارق وحيد هذه المرة بان هذه الخارطة ترسم بأيدي محلية تتسلح بالعديد من الحجج والأسباب منها ما هو وللأسف اجتماعي سياسي ومنها ماهو ديني وحتى مذهبي في كثير من الاحيان.

فالخليج العربي الذي طبعت سنواته الماضية حالة الاستقرار والهدوء والتطور المادي والاجتماعي نتيجة لارتفاع اسعار البترول وهي المادة الاساسية التي تعتمدها حكومات هذه المنطقة والتي كانت السبب ايضاً في عودة تركيز انظار العالم  عليها بعد الانتهاء من "المعضلة" العراقية التي كان يمثلها النظام السابق الذي كان يقوده الرئيس صدام حسين الذي انتهى بدوره نهاية دراماتيكية ومأساوية قل ان شهد العالم مثيلاً لها او قريباً منها.

واليوم العراق وعلى الرغم من نجاحه في اجراء الانتخابات العامة والتي اسفرت على خارطة سياسية جديدة كانت اولى علائمها تشكيل حكومة جديدة رافقها الكثير من التعثرات مما لا يجعلها نهاية للمطاف ومدخلاً للاستقرار السياسي والامني والاجتماعي فهو على العكس يعيش هذه الايام مرحلة من القلق الدفين وغير المعلن من خلال تلويح البعض  بعودة مسلسل التفجيرات والاغتيالات والمنعطفات الامنية الكبيرة التي لا زالت تغذيها العديد من الدوائر الخارجية المرتبطة بأجهزة استخباراتية متعددة الأطراف والأهداف. وفي اليمن الذي شهد عامه الماضي معارك طاحنة بين السلطة المركزية والحوثيين والتي امتدت لتطال محافظات متعددة كان على رأسها محافظة صعدة معقل الحوثيين والتي استدعت تدخل المملكة العربية السعودية بعدما وصلت هذه المعارك لدرجة تخطت وعبرت حدودها. بالاضافة الى الاضطرابات في جنوبه الذي اشتعل ولا يزال بما عرف وقتها بالحراك الجنوبي الذي كانت له اهداف وشعارات تختلف عن الحوثيين الا انه اتفق معها في الاختلاف مع السلطة المركزية والوقوف في وجهها.

وهذا الاضطراب وصل الى العديد من الدول وخصوصاً تلك المطلة على البحر الأحمر كالصومال – التي كانت هي الأخرى على موعد من العديد من الاضطرابات الامنية والسياسية والتي كان سببها الفشل في التوصل الى اي نوع من انواع الاتفاق بين قواه السياسية حول ملامح مستقبله السياسي والاجتماعي والسلطوي... وهذا الارباك سيطر على السودان الذي عاش ومنذ أكثر من 20 عاماً على التوالي ؛ في سلسلة من الحروب الأهلية المتنقلة غطت جنوبه وشماله وحتى اقاليمه الغربية والشرقية وما أحداث اقليم دارفور الا دليل ساطع على احواله المتردية والمرشحة للاستمرار ليس خلال الايام القادمة وحسب بل وعلى مدى السنوات المقبلة. على الرغم من الاتفاق ما بين شطريه الشمالي والجنوبي الذي يتزعمه الجنرال سلفاكير على اجراء الاستفتاء حول مصيره والمرشح حسب كثره المعطيات ان يسفر على تقسيمه نهائياً. وهو ما يعني دخوله في سلسلة من القضايا الشائكة قد تبدأ في محاولات السيطرة على ثراوته المعدنية والمائية دون اغفال حقيقة التوترات المتوقعة في اقليم ابيي الذي شهد وفي ظل انطلاق عملية الاقتراع في جنوب السودان العديد من المعارك الطاحنة بين قبائله وخصوصاً قبيلتي المسيرية الموالية للشمال والدينكا الموالية للجنوب والمتحمسة للانفصال وهذه الاشتباكات تؤشر الى مستقبل العلاقات القادمة ما بين "دولتي" الشمال السوداني وجنوبه...

والى ذلك فان الغيوم السياسية السوداء الداكنة تتلبد في سماء دول المغرب العربي وخصوصاً تونس – المغرب – الجزائر الذي يجمعهم التركات الشعبية على خلفية تردي الاوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة وتفشي  البطالة والتي وصلت في كثير من الاحيان الى درجة الصدام مع السلطات المركزية في هذه البلدان وأجهزتها الأمنية وسقوط العشرات من القتلى والجرحى في صفوف شعوبها...

وفي لبنان الذي يعيش هذه الايام تحت وطأة هاجس القرار الاتهامي المتوقع صدوره قريبا حول جريمة اغتيال رئيس حكومته السابق رفيق الحريري وما يرافق هذا الهاجس من تشنجات سياسية على خلفية الموقف من المحكمة الدولية والذي يتجاذبه رأيان الأول يدعم هذه المحكمة ويطالبها باصدار قرارها الاتهامي تحت شعار معرفة حقيقة من اغتال رفيق الحريري؟ والآخر يتهم المحكمة ومن يقف وراءها بالتسييس والتستر وراء الاهداف الحقيقية التي تستهدف النيل من مقاومته التي نجحت في قهر الاحتلال الاسرائيلي وطرده من الارض اللبنانية وصمودها في وجه آلته الحربية المتطورة خلال السنوات الممتدة من العام 2000 ولغاية حرب تموز في العام 2006 التي كانت الشاهد الاكبر والتي ما زالت مفاعيلها تتوالى ليس في لبنان وحسب بل في كل المنطقة العربية برمتها. ومع ذلك سيبقى  لبنان وخلال العام القادم على الأقل يقع تحت تأثيراتها وعلى كافة الصعد على الرغم من الحديث عن المعجزة السعودية – السورية طبقاً لمعادلة السين – السين الذي اطلقها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري. هذه المعجزة التي كثر الحديث عنها الا انها وحتى اليوم مازالت في طور الجعجعة وليس الطحين...

والى مصر التي ودعت عامها الفائت على اصداء مذبحة رهيبة راح ضحيتها العشرات من المواطنين المسيحيين جراء تفجير كنيسة " القديسين" في الاسكندرية ثاني اكبر المدن المصرية ليلة الميلاد ورأس السنة الجديدة. وقد جاءت هذه الجريمة في ظل سلسلة من التوترات الطائفية المسيحية القبطية – الاسلامية والتي على ما يبدو لم تنزع فتيلها الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي يدور حولها لغط كبير لتشكل  نزاهتها وشفافيتها والتي كان من نتائجها سقوط معظم قوى المعارضة ونجاح قوى السلطة وحزبها وحيداً تقريباً وهو ما يعتبر مناقضاً لأبسط قواعد الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية التي طبعت الحياة السياسية المصرية خلال السنوات الماضية التي تميزت في تواجد معظم الاحزاب على خارطتها السياسية بغض النظر عن ميولها الايدلوجية ومنطلقاتها العقائدية. والى فلسطين وقضيتها التي تعتبر بيضة القبان في العالم العربي و بارومتر اوضاعه على اختلافها السياسي والاجتماعي فان ماحدث فيها نتيجة لتصلب الحكومة الاسرائيلية التي يتزعمها الثالوث نتنياهو – باراك – ليبرمان والتي ادت الى افشال المحاولات الدولية وحتى الاميركية التي بدأت بموجة تفاؤلية مع  انطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطيني والحكومة الاسرائيلية بعدما تخطت الادارة الاميركية ورئيسها باراك اوباما وتفشيل مهمة المبعوث جورج ميتشل الذي قام بما يعادل ال 15 جولة مكوكية المدعوم سياسياً من الرئيس الاميركي الذي وجد نفسه هو وادارته قد مني بخسائر جسيمة نتيجة لاصرار الحكومة الاسرائيلية على شروط المفاوضات الغير المباشرة والمباشرة التي تستوجب اولاً واخيراً وقف كل اشكال الاستيطان كمقدمة لنجاح اي مفاوضات والتي هي بالعكس لم تتوقف او تجمد حتى في ظل المفاوضات الدائرة والتي ادت في النهاية الى انهيارها وفشلها وهي التي دفعت الرئيس الاميركي اوباما. شخصياً الى الاعتراف الواضح والصريح الى الاعلان عن توقف المفاوضات بانتظار جولة جديدة نتيجة لتصلب الحكومة الاسرائيلية ورفضها متوجبات المفاوضات وشروطها التي تساعد على نجاحها والتوصل الى تسوية تؤدي بدورها الى حل يرضي كافة الاطراف في منطقة الشرق الاوسط. ونتيجة لاصرار الحكومة الاسرائيلية بان التسوية القادمة يرسم حدودها المفاوضات سواء اكانت مباشرة اوغير مباشرة حتى لو كانت مدعومة من كل العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية التي تقف هذه الايام عاجزة عن تسويق اي تسوية او على الاقل تسويق اتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين وهو ما يشكل نذير شؤم بالنسبة للادارة الاميركية مقدرة رئيسها في برنامجه الطموح للمنطقة الذي كان قد تحدث عنه خلال زياراته للمنطقة العربية ولقاءاته مع العديد من زعمائها معتمداً على اصوله الاسلامية التي يبدو انها لم تساعده كثيراً في اقتحام اسوار المنطقة العالية نتيجة لضعفه امام الضغوطات الاسرائيلية ونتيجة لعدم وجود موقف موحد ومشترك عربي يستخدم لعبة المصالح الاستراتيجية ما بين الامم والدول..