منذ أن تم إعلان التوقيع على إعلان الشاطئ بين ممثلي حركتي حماس وفتح، والذي نص على تنفيذ ما سبق وان اتفقت عليه الحركتان في كل من القاهرة والدوحة قبل نحو عامين، من أجل إجراء مصالحة سياسية بينهما، وإنهاء انقسام الوطن الفلسطيني، وحالة من التفاؤل، لا بل أن حزمة من الأحلام الوردية بدأت تداعب مخيلات الكثير من مواطني قطاع غزة، وخاصة أولئك الذين ينتمون للوسط الحمساوي، وهذا أمر طبيعي أن تبدو الأحلام " متطرفة " أو مبالغاً فيها، نظراً لأن الانقسام قد طال واستمر منذ سبع سنوات، تجرع خلالها المواطنون في قطاع غزة كل أصناف القهر، الخارجي والداخلي، من الحصار الى كبت الحريات، مروراً بالفقر والبطالة، وانعدام الخدمات العامة، بعدم توفر الكهرباء وتلوث المياه، وعدم ترميم الطرق، وشح المواد الاستهلاكية، وعدم توفر المواد المستوردة، وقد تفاقم الأمر للغاية منذ نحو عام، بعد حملة تدمير الأنفاق الصارمة من قبل الجانب المصري.
ولقد بدأت حزمة الأحلام الوردية، بإطلاق فكرة ليست دقيقة، مفادها تحديد سقف زمني، مدته خمسة أسابيع لتشكيل حكومة التوافق الوطني، تبدأ منذ يوم التوقيع على إعلان الشاطئ، اي منذ الثالث والعشرين من نيسان الماضي، وتنتهي مع نهاية هذا الشهر، وحيث انه ليست هناك أية بوادر لصحة هذا التقدير، حتى ان لقاء الرئيس محمود عباس بكل من أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في العاصمة القطرية قبل أيام، لم يكن مخططا له أو مقصودا لذاته، بل جاء على هامش زيارة عائلية للرئيس عباس.
المهم في الأمر، أنه ليس هناك فراغ سياسي (حكومي) حتى يبدأ العد لمهلة التكليف، ورغم ان رامي الحمد الله قد وضع مصير حكومته بين يدي الرئيس، كما هو حالها في الواقع، فإن حكومة إسماعيل هنية ما زالت تمارس عملها كما لو كانت حكومة شرعية، حتى أن إعلام "حماس" لا يتحدث عنها كحكومة مستقيلة ولا كحكومة مقالة بالطبع.
إذاً ليس هناك ما يجبر الرئيس عباس على تشكيل حكومة التوافق حتى نهاية أيار الحالي، إلا ان وجد أن هناك التزاماً فعلياً من قبل نظام "حماس" في غزة بالاستجابة لقراراته ولرئاسته السلطة، وخصوصاً ما يتعلق بإجراءات الالتزام بالاتفاقيات الدولية، وبمبدأ حسن الجوار، خاصة مع مصر، ومن ثم بالانتخابات العامة التي يريدها الرجل كحل نهائي لمعضلة الانقسام، وكاستحقاق شعبي، ومن ثم كأفضل خاتمة لمسيرته السياسية.
حزمة أحلام "حماس" الوردية، لم تنته عند حدود الاعتقاد بتشكيل الحكومة حتى نهاية الشهر الحالي، بل انطلقت مع تطمينات موسى ابو مرزوق ومحمود الزهار لكوادر وعناصر القسام على أن حكمهم لغزة لن يمس، وأن السلطة الفعلية ستبقى بيدهم حتى بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، وهكذا تداعى قادة "حماس" لتسويق إعلان الشاطئ، من خلال ليس توضيح أبعاده الإيجابية على القضية الوطنية، ولا على المجتمع ولا على المواطنين، خاصة سكان غزة المحاصرين منذ سبع سنوات، ولا على المؤسسات العامة، من خلال تفعيلها وإعادة انتخابات المجالس التشريعية والبلدية، ولكن من خلال الحديث عن بقاء السلطة على الأرض بيدهم، ثم بالحديث عن تقديم رواتب موظفي "حماس" في غزة وعددهم نحو 50 ألفا، من مالية السلطة فور تشكيل الحكومة، كذلك فتح المعبر دون الحديث عن صيغة 2005 .
زياد الظاظا تحدث بشكل ساذج عن قصة رواتب اهل غزة، وكأن حل مشكلة عدم توفير رواتب موظفي حماس الذين لم يستلموا رواتبهم منذ ثلاثة اشهر، حيث أنهم استلموا فقط نصف راتب شهر شباط الماضي، أمر ممكن بمجرد تشكيل الحكومة التي ستقوم بتحويل فاتورة راتب موظفي حماس بغزة تلقائيا، وتجاهل الرجل أن القصة معقدة جداً، ذلك ان هؤلاء تم تعيينهم من قبل حكومة انقلابية، غير شرعية، ثم انه تم توظيفهم بناء على الولاء وليس الكفاءة، فهم جميعا أعضاء في تنظيم حماس، ثم أبدت حماس سخاء في منح الرتب للعسكريين والدرجات العليا للمدنيين. ثم تجاهل الرجل ان الدول المانحة تراقب بنود الصرف أصلا، وكانت قد "عملت" مشكلة للرئيس الراحل ياسر عرفات، بعد ان قام باقتطاع 5% من رواتب موظفي السلطة لصالح كتائب الأقصى بعد عام 2000، وان ميزانية السلطة تعاني في ظل المواجهة السياسية مع إسرائيل مشاكل لا حصر لها، والأهم تجاهل تماما أن بغزة موظفين شرعيين للسلطة، منعتهم الظروف التي نجمت عن الانقلاب من التوجه لممارسة وظيفتهم، وكذلك لهم استحقاقات متراكمة، خاصة فيما يخص الترقيات والعلاوات وما الى ذلك، ثم وجود عشرات آلاف الخريجين الجامعيين والذين هم أولى من منتسبي "حماس" للوظيفة العامة، او على الأقل من العدل إجراء مسابقات التعيين للوظيفة العامة.
ثم تواصل حبل الأحلام حتى بلغ الحديث عن مشاريع انماء وحتى إعادة طرح مشاريع شرم الشيخ لإعمار غزة بقيمة 4 ونص مليار دولار، ولم يسمح من قال بهذا لنفسه فرصة للتفكير ولو للحظة فيمن يتذكر تلك البنود وذلك المؤتمر، فضلا عن من التزم بتلك المبالغ، وان كان يخطر ببال احد الإيفاء بما التزم به، ثم آخر ما سمعناه، يشير الى حل مشكلة الكهرباء، وهنا أيضا وبسبب ان أحلامهم وردية ليس إلا، تجاهل من قال بهذا ان نظام "حماس" بالأساس هو جذر المعضلة، حيث كان يرفض ان يدفع فاتورة ما تستهلكه مؤسسات "حماس" في غزة من طاقة كهربائية، او أن يدفع ما تقوم بجبايته من المواطنين للشركة الإسرائيلية، ساعيا لابتزاز السلطة في رام الله لدفع الفاتورة مجاناً او كثمن لتمرده وانقلابه عليها !
تفاصيل لا حصر لها تقف عقبة في طريق مثل هذه الأحلام، فقط ينقص ان نشير الى ان "الحب" لا يكون من جانب واحد، وان من يحلم "بحقوقه" عليه ان يفكر أولاً بواجباته، فهل _ على سبيل المثال لا الحصر _ ستفتح " حكومة هنية " او تسلم ملفات المحاكم التي نظمتها في غزة، او سجلات ما جمعته من ضرائب من المواطنين، ( مؤسسات حماس نفسها كانت تشير الى جباية شهرية تتجاوز الأربعين مليون دولار )، او مجموع ما تلقته من هبات ومساعدات خارجية او تقوم بتسليم أراضي الدولة، التي وزعت معظمها على قادتها، وأقامت على بعضها معسكرات جيوشها، ومؤسساتها الخاصة، او مشاريع الإسكان والطرق، وميزانيات البلديات، وصولا الى ما سطت عليه مجوعاتها المسلحة من مؤسسات المجتمع المدني، وليس آخر ما في شريط المحاسبة والمساءلة، أموال الناس الذين نصب عليهم ( قصة الكردي/الروبي ) لإقامة مشروع اقتصاد الأنفاق ؟ !
يمكن فقط أن يتم دفع رواتب موظفي حماس من جيب من لا يزال يهمه مشروع حماس والأخوان في المنطقة : قطر، تركيا، تنظيم الأخوان العالمي، على أن تكون تلك الفاتورة ملحقا بالميزانية العامة، مثل رواتب المتقاعدين أو أسر الشهداء، نقطة وأول السطر !