بات واضحا اليوم وبعد مرور عدة أيام على انتهاء المفاوضات، أن الرئيس محمود عباس، امتلك زمام المبادرة والقرار وتسلح بإرادة واضحة المعالم وقدرة على تسمية الأمور بمسمياتها، فأبقى وبكل ثبات على اللاءات التي لم يتزحزح عنها بالرغم من كل الضغوط التي تم ممارستها على شخص الرئيس أبو مازن و التهديد باستهداف الموارد الفلسطينية والاقتصادية على وجه الخصوص .

حين كانت تشتد الأمور وتصل إلى نقطة الصفر كان المفاوض الفلسطيني يعرف أن طريق المفاوضات لا تعني طريق تقديم التنازلات أو القبول بما خلف الضغوطات، ولهذا انتهت مفاوضات التسعة أشهر دون التوصل إلى اتفاق سلام ودون أن يتمكن نتنياهو أن يحقق أي تقدم، وحين كان يهدد بأنه على الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية، كان رد قائد الشعب الفلسطيني أبو مازن أنه في وسع "إسرائيل" أن تسمي دولتها بما تشاء من التسميات، ويضيف ان استمرار المفاوضات لا يمكن أن يكون لها أي معني دون الوقف التام للاستيطان والإفراج عن المعتقلين وان يكون التمديد ان تم لمدة ثلاثة أشهر يتم خلالها ترسيم الحدود، أي مفاوضات تنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .

توقفت المفاوضات قبل نهايتها، أو بكلمات أدق، استمرت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولم يتم إنقاذها لأن حكومة الاحتلال لم تلتزم بما اتفق عليه لبدء المفاوضات التي انتهت وذلك في يونيو 2013، ورفضت "حتى اللحظة" من إطلاق سراح الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى الفلسطينيين .

وبعد قرار الأخ الرئيس أبو مازن بالتوقيع على معاهدات واتفاقيات الشرعية الدولية، بدأ أسلوبه في قيادة كافة الأمور يتضح أكثر للمواطن الفلسطيني، وصارت المفاوضات في مفهومها الحقيقي مجرد وسيلة لا تلزم القيادة الفلسطينية في شيء ولا يُقدم خلالها أي شيء، بل يرتفع من خلالها سقف المطالب والحصانة الفلسطينية وتطبيق الشق الخاص بدولة فلسطين العضو المؤقت في الأمم المتحدة، فكانت أول الصواعق هو توقيع الـ15 معاهدة دولية، ولم تنجح كل المحاولات الأمريكية والتهديدات الإسرائيلية في إجبار الرئيس أبو مازن والقيادة على التراجع، بل كان هناك تأكيد فلسطيني ان هذا حق مشروع وانه طبقا لمعاهدة جنيف، فإن فلسطين تسمى دولة تحت حماية الأمم المتحدة، طبقاً لمقتضيات القانون الدولي .

وكان الصاعق الأكثر تأثيرا وفي خطوة سجلت ارتياحا حقيقيا لدى الجمهور الفلسطيني، هو إرسال الرئيس أبو مازن لوفد من منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الأخ عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، فتم اتفاق الشاطئ فوق أرض غزة، وبدأت أولى المعالم الحقيقية لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة والمصالحة الفلسطينية، وفي مقابل التهديد الإسرائيلي العلني والابتزاز المفضوح، والتخيير بين السلام مع حماس او السلام مع (إسرائيل)، فكان الاختيار أن الوحدة الوطنية عنوان المرحلة وان (إسرائيل) غير قادرة أن تتوجه نحو السلام و أنها تتنكر للحق الفلسطيني، وهنا ظهر أسلوب آخر للرئيس أبو مازن لم تعرفه مسبقا الإدارة الأمريكية و (إسرائيل)، فكانت مواقفه متقدمة جدا وعكست أنها تمثل بوصلة الجماهير ومطالبها، فهو الثابت على الثوابت، وهو بالرغم من تمتعه بالقدرة على استخدام أسلوب الاعتدال في المواقف وقد وقع على اتفاق أوسلو ويكرس مفهوم المقاومة الشعبية كأحد الاستراتيجيات الهامة في مسيرة شعبنا الفلسطيني، وكإحدى أهم دعائم إرادة شعبنا الفلسطيني التي لا تقبل القسمة على الانكسار أو الاندثار .

أسلوب الرئيس أبو مازن مظلة الأمان الفلسطينية، فهو ناجح في علاقاته العربية والإقليمية والدولية، واستطاع أن يقول (لا) لكل ما يمكن أن يضعف الموقف الفلسطيني، واستطاع أن يربك خصومه، و لربما من انصع وأصدق مواقفه الوطنية ما قاله في كلمته أمام أعمال الدورة الثالثة عشرة للمجلس الثوري لحركة فتح 'دورة شهداء اليرموك والثبات الوطني، الحرية للأسير مروان البرغوثي وجميع الأسرى، وقبل زيارته الأخيرة إلى واشنطن : " أريد أن أحقق شيئا لوطني، ولن أنهي حياتي بخيانة، ولن نسمح لأحد أن يسيء إلى حركة فتح أو يمزقها أو يلعب فيها أو يبيعها لأي بلد في العالم".