العنوان أعلاه مقتبس من تعقيب كارمي غيلون، أحد رؤساء سابقين لجهاز (شين بيت شاباك)، حول مسألة من مسألتين مثارتين في إسرائيل: الإرهاب اليهودي للمستوطنين، حاملاً شعار «شارة ثمن» وعبوره «الخط الأخضر» غرباً. الثانية حول شرعنة قانون «يهودية إسرائيل» وهو مطلب رئيس وزرائهم من حكومته وائتلافه، وخلاف الوزراء حول صياغات تشريعية. بين المسألتين علاقة النتيجة بالسبب (أو السبب بالنتيجة)، وحسب الوزير الليكودي الموتور جلعاد اردان: «علينا أن نطلب يهودية الدولة من أنفسنا قبل أن نطلبها من الآخرين». لاحظوا أن معظم قادة «شين بيت» السابقين، وهو جهاز مختص بـ «الارهاب الفلسطيني» يطالبون بضبط «فتيان التلال»، بينما تحث الوزيرة تسفي ليفني على وصف نشاطهم تحت شعار «شارة ثمن» على أنه «ارهاب يهودي». الحقيقة أن كارمي غيلون قال: إن معنى كلمة «لا يمكننا» هو «لا نريد».. لماذا؟، كان في كنيست إسرائيلي ما نائب عنصري واحد، هو الحاخام مائير كهانا، وصار فيه 12 نائباً من حزب «البيت اليهودي» يدعمهم ثلث نواب حزب الليكود.. وهؤلاء، دون مصادفة، هم أشد الداعمين لقوننة «يهودية إسرائيل». استجاب كيري لمطلب اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، فنال منها الثناء. لكن عندما حذّرها من أن فشل حل الدولتين سيجعلها في النتيجة دولة «فصل عنصري» قال فيها أشدّ الهجاء.. فأرخى ذنبه بين قائمتيه! أيضاً، شجبت إسرائيل ما ورد بخصوصها، للمرة الأولى، في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية، حول استفحال الارهاب اليهودي ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. ينسى الكثيرون أنه قبل عشرين سنة، أي بعد أوسلو تم تعريف إسرائيل لنفسها «دولة يهودية ديمقراطية» ولكنها، بعد عشرين سنة، طلبت من الفلسطينيين الاعتراض بتعريفها لنفسها، فرفضوا رفضاً باتاً قاطعاً. علّل الفلسطينيون أسباب رفضهم، وهي تتعدى حتى تعليل المؤرخ الإسرائيلي زئيف سترنهيل بأن معنى الطلب هو اعتراف الفلسطينيين بهزيمتهم التاريخية والثقافية تمهيداً لهزيمتهم السياسية بالاعتراف بفشل الحل بدولتين لا دولة فلسطينية.. ودولة إسرائيل للشعب اليهودي! في تعليل نتنياهو لطلب إقرار مكانة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، جاء أن هذا يعني «الاعتراف بالصلة العميقة القائمة بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل» أي نفي الصلة الأكثر عمقاً بين الشعب الفلسطيني وأرض فلسطين. المعنى؟ مستوطنات «معاليه أدوميم» و»أريئيل» و»غوش عتصيون» أغلى على غلاة يهود إسرائيل من مدن : حيفا ويافا وعكا على الفلسطينيين. مقبول عودة يهودية إلى «يهودا والسامرة» بعد ألفي عام، ومحظور عودة فلسطينية إلى حيفا ويافا بعد 66 عاماً. بل عودة الفلسطينيين في إسرائيل إلى بعض قراهم المهجّرة والمدمّرة! تعود أعمال «شارة ثمن» إلى غلاة «فتيان التلال» وهؤلاء إلى شعار المستوطنين : «هذه أرضنا زو أرتسينو».. وبعد ارهابهم إلى تقديسهم لمجزرة باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي، ومن قبل إلى مجزرة «عيون قارة» (ريشون لتسيون) ضد عمال من غزة يعملون في إسرائيل التي اقترفها الجندي عامي بوبر، ومن بعد إلى مجزرة اقترفها الجندي عيدان ناتان زادة في مدينة شفاعمرو، عندما أطلق الرصاص في الباص على ركابه الفلسطينيين. في حالتي باروخ غولدشتاين وناتان زادة لاقا حتفيهما بنعال وأيدي الفلسطينيين العارية، في ممارسة مشروعة للدفاع عن النفس، لكن المدافعين يخضعون لمحاكمة «قانونية» بتهمة قتل القاتل! إن محاولة الدمج بين «الدولة القومية للشعب اليهودي» وبين «الصلة العميقة بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل» هي ما يفسّر وجود قانونين إسرائيليين في الضفة يسريان على الفلسطينيين بالاحتلال والاستيطان، و»محاربة الارهاب» وعلى المستوطنين بوصف ارهابهم بأنه مجرد «أعشاب ضارّة» واختراقات «خارج القانون» دون محاولة جدية لمحاكمتهم : «لا يمكننا» مكانها «لا نريد»؟ تدعي إسرائيل بأن الفلسطينيين فيها هم مواطنون في إسرائيل، لكن تحظر عليهم تطبيق مواطنيتهم وإحقاق «حق العودة» الخاص بهم إلى ما بقي قائماً من القرى المدمّرة والمهجّرة، وأيضاً ترفض أي ربط أو مقارنة بين «المحرقة» النازية وبين «النكبة» الفلسطينية. هناك في الائتلاف الحاكم الإسرائيلي أحزاب ونواب وشخصيات لا تعترف بأوسلو ولا بالشعب الفلسطيني، ولا بحقه في دولة خاصة، لكن إن حاول الفلسطينيون إنهاء خلافاتهم، فهذا يعني أنهم غير مقبولين من إسرائيل في شروط السلام كما تضعها هي! مسألة يهودية إسرائيل كانت في عقل نتنياهو قبل جولة المفاوضات الأخيرة، عندما مال على أذن الحاخام عوفاديا يوسف قائلاً : البعض اليساري في إسرائيل لا يفهم معنى أن يكون اليهودي يهودياً .. هذا احتلال يهودي للصهيونية والإسرائيلية! لا فرق بين دعاة أصولية إسلامية يرون أن من يخالفهم في عقيدتهم هم «أهل ذمة» وبين أصولية يهودية ترى أن دولة إسرائيل هي للشعب، شعب واحد فقط هو الشعب اليهودي.