صرح بنيامين نتنياهو يوم السبت 13 أيلول/سبتمبر الحالي، أنه سيعمل على تغيير خارطة الشرق الأوسط، وهذا الهدف الأساس من الإبادة الجماعية على قطاع غزة خصوصًا والقدس العاصمة الفلسطينية والضفة عمومًا، وكنت أكدت مرارًا، أن الحرب الجهنمية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من الغرب الرأسمالي واداتهم الوظيفية إسرائيل لا تستهدف الشعب العربي الفلسطيني، ولا الشعب اللبناني الشقيق فقط، إنما تستهدف إعادة هيكلة الشرق الأوسط عمومًا، ومن ضمنه الوطن العربي وفق المصالح الاستراتيجية لواشنطن وعواصم الغرب عمومًا، واستباقًا للانزياحات التدريجية الجيوسياسية العالمية الهادفة لإعادة تشكل المنظومة العالمية، عبر إحداث تحول نوعي لخارطة العالم، تهدف إلى بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
ولهذا استغلت قوى معسكر الغرب الامبريالي وربيبتهم الدولة العبرية ما جرى في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023 كذريعة للإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، المستمرة منذ 354 يومًا حتى يوم الثلاثاء 24 أيلول/سبتمبر الحالي، لتحقيق هدف استراتيجي قديم جديد، عكسه تصريح رئيس الائتلاف الحاكم في إسرائيل، وهو تغيير خارطة الشرق الأوسط الكبير وتسيد الدولة العبرية اللقيطة عليه. ولهذا اجتمع وزراء خارجية 4 دول أوروبية مركزية مع الإدارة الأميركية: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا يوم الخميس 19 أيلول/سبتمبر الحالي في باريس لدراسة توسيع نطاق الحرب في لبنان، مستغلة مساندة حزب الله اللبناني الشعب الفلسطيني، وليس كما صرح وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني ل"كبح جماح إسرائيل"، وتقييم الوضع في الشرق الأوسط، والتقييم المقصود هنا تدارس كيفية إعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط. وأضاف الوزير الإيطالي، سنناقش قضية الشرق الأوسط مع وزراء دول مجموعة السبع، في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل "أي هذا الأسبوع".

وعليه فإن الذرائع الإسرائيلية والغربية الامبريالية من خلفها بقيادة واشنطن، المتعلقة بحركة حماس وحزب الله، ليست إلا ذرائع واهية. لأن الاستهداف هو الوطن العربي والشرق الأوسط عمومًا. وهو ما يملي على الدول العربية خصوصًا ودول الإقليم عمومًا الاستعداد للتطورات العاصفة التي ستحملها معادلات الصراع الجديدة، خاصة وأن واشنطن وقاعدتها الأمامية إسرائيل في الإقليم، وكل من يدور في فلكهم من غرب وعرب وعجم وغيرهم، يريدون حماية مصالحهم الحيوية، وتغيير ادواتهم في الوطن العربي عموما، وفلسطين ولبنان خصوصًا، واستبدالها بقوى سياسية جديدة، وبآليات وأساليب مغايرة عما كان عليه الوضع قبل 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، لأنها استنفذت مهامها، ولم تعد تتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة، وإن أبقت على بعضها، فستبقيها بثوب مختلف تماما عن السابق.
ولتحقيق ذلك، سيعملون واشنطن وتل ابيب وعواصم الغرب المركزية ومن ضمنها دول مجموعة السبع الكبار على، أولاً تصفية القضية الفلسطينية، والكيانية الوطنية الوليدة، التي تأسست بعد اتفاقات أوسلو عام 1993، وإذا استدعت الضرورة بقاء كيانية فلسطينية، فستكون شكلية وفارغة المضامين الوطنية، وعبارة عن أداة وظيفية مأجورة؛ ثانيًا شطب وتصفية أذرع المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بغض النظر عن خلفياتها. لأنها باتت عبئًا على الغرب، وانتهت مهمتها؛ ثالثًا العمل بخطى حثيثة على تقسيم وتمزيق الدول العربية إلى دويلات قزمية دينية وطائفية ومذهبية واثنية، وقد تطال عملية التقسيم الدول الإسلامية في الإقليم؛ رابعًا إلغاء مبادرة السلام العربية كليًا، ودفع دول الإقليم للتطبيع المجاني وفقًا لمحددات الاستسلام الابراهيمية؛ خامسًا تعزيز مكانة دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، وفرضها فرضًا على دول الإقليم، بحيث يصبح الشرق الأوسط الجديد تحت القيادة الإسرائيلية، وجميعهم بمثابة حديقة خلفية للولايات المتحدة ودول الغرب الامبريالية؛ سادسًا قطع الطريق على كل من الصين الشعبية وروسيا الاتحادية والأقطاب الدولية الأخرى ودول البركس، وإبعادها عن المياه الدافئة في الشرق الأوسط.

لكن هل تنجح الولايات المتحدة وحلفائها في تنفيذ وتحقيق هدفهم الاستراتيجي؟ أعتقد من المبكر الافتراض بإمكانية تحقيق هذا الهدف الخطير. لأن دوامة الحرب المجنونة ما زالت دائرة، والتي تحمل في طياتها الكثير من التحولات غير محسوبة النتائج. كما أن فرضيات وسيناريوهات الغرب الرأسمالي ليس بالضرورة نجاحها. لأن الشعوب المكافحة من أجل حريتها واستقلالها وانعتاقها من دائرة المحوطة والتبعية للسوق الرأسمالية وحليفته إسرائيل، قد تقلب الطاولة رأسًا على عقب. لا سيما وأن معظم الشعوب في الإقليم تعيش حالة سخط وغضب ورفض للواقع البائس المعاش، وإن غدٍ لناظره قريب.