فكرة "تدفيع الثمن" تمظهرت في عام 2008 في مستعمرة "يتسهار"، غير انها سابقة لذلك بعشرات العقود، لكن بعناوين واسماء اخرى. من يقرأ تاريخ الارهاب الصهيوني منذ بدأت الغزوة الاستعمارية الصهيونية لفلسطين التاريخية، ومع تشكل العصابات المسلحة "الهاجاناة" و"شتيرن" و"ليحي" و"الاراغون" وغيرها من منظمات إرهابية، والفكرة موجودة، وجرى تطبيقها من خلال سلسلة المذابح والمجازر الاسرائيلية ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني لتحقيق هدف الحركة الصهيونية المدعومة من الغرب الاستعماري باقامة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية على حساب نكبة الفلسطينيين.
وكان عمادها السياسي والاقتصادي والثقافي شعارات الحركة الصهيونية الناظمة لمشروعها الكولونيالي الاجلائي والاحلالي بدءا من شعار "أرض بلا شعب.. لشعب بلا ارض" و" العمل العبري" وغيرها، التي جميعها مشتقات وإفرازات من فلسفة ومركبات العنصرية والتطهير العرقي، وشكلت المعين الاساسي لبناء وعي مزيف استمد بناءه من رواية صهيونية مختلقة، قامت على نفي الحقيقة والواقع ووضعت مداميك نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948.
وبعد قيام إسرائيل على انقاض النكبة الفلسطينية، التي تحل ذكراها السادسة والستين، طورت القيادات الصهيونية شعاراتها وادواتها التصفوية والارهابية ضد ابناء الشعب الفلسطيني داخل الخط الاخضر من الاوامر العسكرية، التي امتهنت كرامة وحقوق الانسان الفلسطيني بابشع الصور الوحشية، حتى انها تفوقت على الفاشية الايطالية والنازية الالمانية وديكتاتوريات العالم العسكرية.
وفي اعقاب احتلال إسرائيل لكل فلسطين التاريخية وسيناء والجولان في الرابع من حزيران عام 1967، واصلت سياسة "تدفيع الثمن" لابناء الشعب الفلسطيني خصوصا والشعوب العربية عموما، التي احتلت اراضيها، فاعادت إنتاج قانون الطوارئ والاوامر العسكرية لاستكمال مراحل مخططها ومشروعها الكولونيالي الصهيوني الاول، المستند الى الشعار السياسي الاساسي "ارضك يا إسرائيل من النيل للفرات"، وشرعت بالاستيطان الاستعماري مباشرة في الاراضي المحتلة، الذي استفحل أكثر فاكثر، حتى بات وباء اكثر خطورة بعد توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والعرب وخاصة بعد اتفاقيات اوسلو 1993، ثم اصدرت تشريعات في الكنيست بضم القدس وغيرها من المناطق بما في ذلك الجولان.
والاستيطان الاستعماري يعتبر الركيزة الاخطر في عملية "تدفيع الثمن"، لان كل الانتهاكات الاخرى حرق السيارات والاماكن المقدسة ودور العبادة المسيحية والاسلامية وقطع الاشجار والاعتداء على مصالح ومزارع المواطنين الفلسطينيين إن كان داخل إسرائيل او في اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، ليست سوى انعكاس وترجمة مباشرة للتغول الاستعماري. وقبل ذلك، تعود سياسة "تدفيع الثمن" لمركبات بناء الوعي الصهيوني العنصرية، المنتج والمولد للكراهية والحقد والاستعلاء، ولشعور قادة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، انها فوق القانون الدولي من خلال الحماية، التي شكلتها سياسة الغرب الرأسمالي وخاصة الولايات المتحدة.
مع ذلك الانتهاكات اليومية، التي ترتكب ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب وفي الاراضي المحتلة عام 1967، ما كان لها الاستمرار لو ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة واجهزة امنها وخاصة الشرطة و"الشاباك"، اتخذت الاجراءات الرادعة المناسبة ضد منفذي الجرائم العنصرية الخسيسة. ولكن جهاز الامن العام الاسرائيلي كما يقول رئيسه السابق كارمي غيلون، لم يقم بمسؤولياته ضد المجرمين، وهم ليسوا لغزا، كما يقول الصحفي حاييم ليفينسون في "هآرتس"، وتستطيع اجهزة الامن الاسرائيلية وضع اليد عليهم لو وجد قرار سياسي من قبل الحكومة. غير ان الحقيقة تقول، ان هناك قرارا سياسيا عكسيا، اي ان الحكومة، رغم تصريحات بعض اركانها ضد تلك الممارسات، إلا انها اطلقت، وتطلق يد تلك المجموعات الارهابية، لانها تمثل روح سياساتها، وتعبر عن مشروعها التصفوي للقضية الفلسطينية، والمتناقض مع خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، والدفع بالمنطقة لمربع العنف والحرب.