يصل الى أسماعنا، كلام حمساوي عن اشتراطات مالية تتعلق بالمصالحة. بل إن ما نسمعه، عن متطلب حمل السلطة عبء فاتورة رواتب موظفي “حماس” بإحداثياتها التي تأسست على اعتبارات حزبية؛ بات موصولاً بأمر آخر، نتمنى أن تكون “حماس” بريئة منه، لأنه أكثر استفزازاً وإحباطاً للمصالحة. هو أن موظفي السلطة القدامى، لن يكون بمقدورهم استئناف عملهم في قطاع غزة، على اعتبار أن الموظفين الشرعيين، هم العاملون الآن في حكومة “حماس” وأن الذين استنكفوا التزاماً بشرعية حكومتهم، يتعين عليهم فرادى، أن يثبتوا صلاحيتهم للعودة الى العمل على أساس انتقائي يقرره الجهاز الحكومي الحمساوي نفسه!
قبل التعليق على هذا الذي يُقال في مناخات “حماس” لا بد من التأكيد مرة أخرى، على نقطة أتمنى أن تكون معلومة سلفاً، وهي أن محسوبكم لا ولن يكترث بأي تلويح حمساوي يرى في أي ملاحظة أو نقد، نوعاً من العرقلة مع عدم الرغبة في المصالحة. فـ “حماس” ضليعة في استغلال القيم الرفيعة وحساسية الوطنيين حيالها، لكي تضغط في الاتجاه الذي تريد. لذا نقول علنا، إن المصالحة الهشة والظالمة والابتزازية، لا نريدها إطلاقاً وسنقول ذلك بملء الفم، لأن المهم عندنا، في مثل هذه القضايا، أن نلتزم قواعد السياسة، وقواعد المحددات الدستورية التي تحكم نجاح أو خيبة أية كيانية.
في عملية المصالحة، نبدأ من النقطة الأولى، وهي أننا كفتحاويين كنا ضحايا عملية انقلاب دام جرى فيه التمرد المسلح على السلطة الشرعية، وأن هذا الانقلاب لا ينبغي أن يُكافأ، ولا نتخيل فكرة إعطائه الأحقية في معاقبة الآخرين، وإلا سنكون فعلاً جماعة “دايتون” الذين يطاردون المقاومة ويحبطون الفرقانات ويعيقون انتصارها. فلا مجال لإهانة الفتحاويين وشطب حقوقهم الوظيفية التي اكتسبوها على طريق الانتماء لحركة وطنية، بذلوا على طريقها الغالي والنفيس.
نقطة أخرى، نتوجه بها الى الفتحاويين والوطنيين المنخرطين في عملية التوافق، وهي ضرورة تمثُّل الحد الأدنى من ثقافة الدولة فيما يطرحون، وضرورة استذكار الشروط الدستورية لقيام الكيانية التي هي غاية اتفاق المصالحة.
فمن حيث المبدأ، إن الحمساويين إخوتنا، وهذه حقيقة لا نتوخى منها استرضاء أحد أو منافقته. لكن هذا لا يمنع التنبيه والتحذير من عوامل الفشل والحث على الشفافية والمصارحة وعلى منع المزاودات. فلا شيء ذا قيمة، يمكن أن يتأسس على أوهام وعلى “معط” الحكي وعلى المواقف الأطول كثيراً من سيوفنا. فالطرفان لا يقتسمان موقعين، واحدهما للمقاومة التي حرمت العدو من الراحة ومن التثاؤب، والثاني للرضوخ و”التنسيق الأمني”. إن الطرفين مأزومان، وبات انسداد السياسة يضاهي انسداد الحرب، لتصبح المهمة الأسمى أن نلملم أشتاتنا وان نصمد وأن نحظى ببيئة سياسية وكيانية مواتية، تساعد على تعزيز الورقة الفلسطينية في هذا المعترك المرير.
لا مجال للتعاطي مع مقاربات تكرس موظفي “حماس” الجدد، وتوفر رواتبهم من الخزينة العامة البائسة، وتطرد موظفي السلطة القدامى، الذين تتحمل هذه الخزينة رواتبهم. ثم لا مجال لنشوء واقع يتكفل فيه طرف ثالث بسداد رواتب موظفي “حماس” دون سواهم، لأن مثل هذا التدبير غير دستوري، ويخلق مساحة في داخل كيانية السلطة، لا تعترف لها بأي فضل وتختل على صعيدها قاعدة الحقوق والواجبات، ويكون هناك تداعيات يومية لمثل هذا الاختلال.
في موازاة هذا المنطق، نؤكد هنا على حق الفلسطينيين جميعاً، في شغل الوظائف الشاغرة دون تمييز، كلما توافر التأهل للوظيفة عبر المسابقات. أما استرضاء “حماس” على حساب الاقتصاد والاجتماع والإدارة والشروط الدستورية، فإنه سيخلق العديد من الإشكالات، وستجد حكومة المستقلين، المزمع تشكيلها، نفسها في خضم وضع غير تصالحي وغير طبيعي. فالأصل أن يعود الموظفون القدامى، الى مقرات وزاراتهم وإداراتهم والى صلاحياتهم. وعلى اعتبار أن إشكالية الرواتب ستظل قائمة، فإن موظفي “حماس” هم الذين ينبغي أن يكونوا في طور التعيين حسب الحاجة وحسب التأهيل، بإحداثيات وظيفية تلتزم القانون وتراعي السن والخبرة والمؤهلات. فلهؤلاء الحق في الوظيفة كفلسطينيين في شروط طبيعية. وربما يساعد على ذلك، أن تضع الحكومة الوفاقية يدها على كل المنشآت الاستثمارية الحزبية، التي أقامتها “حماس” على أراضي الملكية العامة للدولة، فضلاً عن إيرادات جميع الخدمات. ونأمل أن يتعاون الجميع، ضمن عمل حكومة قوية راشدة على إنجاز عملية شاملة للإصلاح الضريبي والوظيفي في الوطن، ووقف الهدر والتهرب والتضخم في إحداثيات الوظائف، والإخلال بقواعد التوظيف، مع تفعيل دبلوماسي وسياسي يستحث المساعدات، ويخلق بيئة استثمارية معقولة، ويخوض بشفافية في الاستثمار الآمن، ويحث الفصائل على تغطية نفقاتها بنفسها من خلال مشروعات. إن هذه هي بعض التدابير المتاحة في ضوء ما نواجهه على الصعيد الاجتماعي الاقتصادي. ففي سياق هذه المصالحة، ينبعي ان نخلع كل رواسبها وتفكيك شبكة المصالح التي ساعدت عليها وعمّقت الخصومة، سواءً في كان ذلك في غزة أو رام الله. معنيون في هذا السياق، بالحفاظ على المقدرات الوطنية وتنميتها، وليس إثقال السلطة بتبعات ما حدث وكان كارثياً!