على تكرارها، يظل لزيارات رؤساء حكومات اسرائيليين إلى مصر وقع ومعنى لافتان.. ومن بيغن إلى نتنياهو. قلت تكرارها من جانب واحد، رغم زيارة برتوكولية يتيمة أداها الرئيس المصري لاسرائيل.. ربما للتعزية في اغتيال رابين.
كل سائح إسرائيلي الى أرض الكنانة أصابه نوع من الوقع والدهشة، لأن القاهرة "مثلا" فيها خلق كثير يفوق ما في اسرائيل برمتها.. يهوداً وعرباً!
الوقع والدهشة لسائح القاهرة الاسرائيلي له معنى آخر، امتداد آخر، لعله هذه العلاقة المفارقة بين بلد عريق، هو فجر الحضارة، وبلد حديث يحاول زرع "حضارته" في المنطقة.. ناهيك عن القصص التي يختلط فيها التاريخ بالأساطير، مثل القصة اليهودية لـ: "خروج مصر" والتيه في سيناء. أكان موسى حقيقة أم اسطورة؟ أكان اخناتون (صاحب عبادة قرص الشمس التوحيدية) يلبس عباءة موسى أم العكس.. هذه يفتي بها الرواة المختلفون.
تأتي زيارة مقررة اليوم يقوم بها نتنياهو إلى مصر (بالأحرى لاجتماع ساعات مع الرئيس مبارك) بعد قليل من وفود سواح اسرائيليين احتفلوا بمولد الحاخام أبو حصيرة في مصر.
الناس يهمها البعد الحالي، السياسي، للزيارة أو الاجتماع بالأحرى، وقد مهد له نتنياهو بتصريح شاذ أمام الكنيست (لجنة الشؤون الخارجية) قال فيه: المفاوضات مع الفلسطينيين وصلت "نقطة اللاعودة".
"نقطة اللاعودة" هذه تحيلنا الى دراسة قديمة للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية تولاها ميرون بنفينستي، خلاصتها: وصل الاستيطان نقطة اللاعودة. نقطة ونقطة أخرى. تجميد أول وفشل تجميد ثان يطرحان سؤالاً:
ما هو السؤال؟ هل "القناة المصرية" الميالة للموقف الفلسطيني تتعارض أو تتكامل مع "القناة الاميركية" الميالة استراتيجياً للموقف الاسرائيلي.. رغم ما يبدو أزمة عارضة أميركية-اسرائيلية بسبب تلكؤ حكومة نتنياهو في استجابة سريعة وشاملة للصفقة الأميركية (تجميد ثانٍ مقابل رزمة ضمانات أميركية سياسية-أمنية)، وهي الصفقة التي ادعى نتنياهو أنه كان قادراً على تمريرها لولا التراجع الأميركي عنها؟
السيدة تسفي ليفني، زعيمة المعارضة وحزب كاديما سخّفت جملة ادعاءات نتنياهو حول وصول المفاوضات مع الفلسطينيين "نقطة اللاعودة"، وذكرته، مقتبسة من على لسانه بتصريحه في مؤتمر الليكود 2000: "نعم لدولة يهودية معناه لا لدولة فلسطينية.. ويجب أن نقول لها لا". قد يردّ نتنياهو على ليفني بالقول أنه حكى في خطاب جامعة بار-إيلان عن قبوله مبدأ "دولتان لشعبين"، وهو تصريح سياسي قام بتفريغه من معناه لاحقاً.
قالت ليفني "لا يصدقونك، لانك تتحدث بشكل مختلف في محافل مختلفة.. اختبار مصداقيتك يكون حسب نتائجك لا حسب أقولك". ماذا يقول مبارك عن نتنياهو؟ هو يمدح خصائصه الشخصية.. لكن ماذا عن خصائصه السياسية؟ "ليس على كلامه رباط" أو بهذا المعنى!
نتنياهو نفخ بالوناً آخر سياسياً عشية زيارته للقاهرة، وبالوناً انسانياً ثانياً مع أميركا بطلب الإفراج عن الجاسوس جوناثان بولارد المحكوم مؤبداً، وهو طلب ستدرسه واشنطن بعناية بعد رفض بات متكرراً. هل البالونات مليئة بالهواء؟
أغلب الظن أن نتنياهو يبحث في مصر عن نجاح ما، ولكن على صعيد التعاون في وقف إغراق اسرائيل بالمهاجرين الافارقة.. وربما، أيضاً، تعديل اتفاقية توريد الغاز والنفط المصري لاسرائيل، بعد اكتشافات مذهلة للغاز اعتبرت من بين الأكبر عالمياً قبالة ساحل اسرائيل، على بعد 180 كيلومتراً.
خارج السياسة، فإن نتنياهو يزور مصر المخضوضة بتفجير كنيسة القديسين القبطية في الاسكندرية، بينما اسرائيل مخضوضة بدورها وبشكل أقل بموجة عنصرية يهودية ضد الفلسطينيين والمهاجرين الأفارقة. الخضتان لهما علاقة مباشرة أو غير مباشرة، بالجمود السياسي على صعيد الحل السياسي، وبخاصة بالنسبة لاسرائيل الخوافة من الحل واللاحل السياسي مع الفلسطينيين.
"سلام بارد" مصري - اسرائيلي سيظل بارداً طالما مسألة فلسطين بلا حل سياسي.. لكن كيف لدولة عريقة ودولة حديثة ان تواجهها المشكلة ذاتها في التطرف؟ رغم أن مصر يفترض كونها منسجمة، واسرائيل يفترض أنها شتات شعوب ومذاهب؟
الفارق؟ في اسرائيل 42% يعتبرون أنفسهم علمانيين، فهل الحال هو ذاته في مصر! "سلام بارد" مع اسرائيل لا ينفي أن اسرائيل تخشى الجيش المصري أكثر من جيوش أخرى؟!