يوم الأربعاء , كنت وسط حشد كبير جدا في قاعة مركز رشادالشوا الثقافي في قلب مدينة غزة , لمشاهدة عرض مسرحي غنائي ( أوبريت ) أعد له المخرجو الفنان المبدع صديقي العزيز الدكتور سويلم العبسي لمدة عام و نصف العام حتى خرج عليناأخيرا بهذا الانجاز المدهش الذي اختار له عنوان ( السامر ) الذي هو من صلب تراثنا العريقفي فلسطين , فالسامر كما هو معروف احتفال جماعي حاشد يتدفق بالجمال و الفرح , يقيمهالفلسطينيون منذ مئات السنين في مناسبات الجواز , انه احتفال جماعي حاشد يندمج فيهالزجل , مع الغناء الشعبي , مع الدبكات و الرقصات الشعبية , و كرنفال الألوان المبهرةمن تطاريز الحرير البلدي على ثياب النساء , بالإضافة الى ما يصاحب هذا الاحتفال الجماعيالحاشد من عادات عريقة على الصعيد الاجتماعي , وفي طريقة تقديم الطعام و الشراب .المثيرفي الموضوع , أن هؤلاء الشباب و الفتيات الذين اعتلوا خشبة المسرح , و قدموا هذا العرضالمسرحي الغنائي الجميل , لم يكن أحدهم قد اعتلى خشبة المسرح من قبل , و أن التدريبالجاد لمدة عام و نصف العام في ظروف غزة الطارئة , و الذي قام به صديقي الدكتور سويلمالعبسي ابن قرية الفالوجة الشهيرة , بالتعاون مع عدد من الهيئات الاهلية المختصة مثلمؤسسة الحفاظ على التراث الفلسطيني , و بدعم من مركز آدم لحوار الحضارات الذي يقف علىرأسه الصديق العزيز عماد الفالوجي , قد نجح في صقل هذه المواهب الشابة , و وضع هؤلاءالفنانين الموهوبين على اول الطريق , و اخص بالذكر المطرب الشاب صاحب الصوت الجبليالقوي عماد حمدونة , الذي اثبت أنه يستطيع أن يقف كتفا إلى كتف مع كبار المطربين العرب, و نحن إذ ندعو له بمزيد من النجاح و التوفيق , فإننا نطلب من الجهات الرسمية التيترعى الثقافة و الفنون في بلادنا أن تنتبه لهذه الموهبة المدهشة , و نحن على ثقة بأنالمطرب الشاب عماد حمدونة بهذا الصوت كامل الطبقات الذي وهبه له الله , سيسجل حضوراًمتميزا لفلسطين على مستوى الغناء العربي في المستقبل القريب إن شاء الله .الفكرة الملهمةلهذا المهرجان الفني المتميز كانت بوضوح ( بدنا نغني ) رغم الحصار , رغم الانقسام, رغم كل التداعيات القبيحة , و الجراح الموجعة , بدنا نغني لفلسطين , للأرض و الذاكرة, للشهداء و الجرحى , للأسرى وراء القضبان الذين يقهرون إرادة السجان , حيث رمزهم هناءشلبي قد وصلت إلى غزة منذ أيام قليلة ورأت بعينيها كم لقيت في غزة من حب و ثقة و اعتزاز.بدنا نغني للأمل , للحلم الفلسطيني , للقدس التي تخوض ببسالة ذروة الاشتباك في معركةالصمود و البقاء .آه ما اكثر العناوين التي تستحق أن نغني لها , و ما أعظم فصول الذاكرةالتي تستحق أن نتشبث بها , و ما اجمل النماذج الفلسطينية التي تستحق أن نغني لها .فياأيها الحصار و الانقسام , يا أيها الوجهان لعملة واحدة قبيحة , اغربا بعيدا , و توارياوراء استار الخزي و العار , فهذا الشعب الفلسطيني حي لا يموت , و قوي لا ييأس , و مبدعلأجل الحياة الحرة الكريمة و لن ينكسر تحت أجنحة الظلام البائسة .أريد مرة اخرى أناشد على يدي صديقي العزيز الدكتور سويلم العبسي , و أهنئه على مجهوده الهائل , و صبرهالكبير , و إيمانه بأنه وسط أشواك السياج الدامية , ثم زنابق تتفتح , و ورود تتألق, و اقمار بكر تضيء السماء !!! اشكره و كل الذين عملوا معه على إخراج هذا العرض المسرحيالغنائي إلى حيز الوجود , لقد أهدوا إلينا جميعا هذا الشيء الذي لا يضاهى و هو الفرح, حيث اضاء الفرح و لو يوما واحدا من أيام غزة المتجهمة , و هذا أمر طبيعي , فإن غزةتؤمن بأقدارها بأنها ارض البدايات و انها رغم قسوة الأيام , و بشاعة المرارات , قادرةعلى أن تقذف الضوء في وجه الظلام , و قادرة على أن تحيا و تحلم و تبتسم .