اذا أردنا تحرير مجتمعنا من قبضة اخطبوط هذه الجريمة، يجب تطهير مفاهيمنا وكتبنا وتراثنا من صور تقديس القتل باسم الرب والشرف وتمجيد السلاح لا يمكننا التقدم حتى خطوة واحدة نحو الحد من هذه الجريمة حتى لو بلغت دفاتر نصوص القوانين سقوف المجالس التشريعية والمحاكم النظامية في العالمين العربي والإسلامي، فالجرائم الجنائية حالات فردية تتطور الى ظاهرة اجتماعية في زمن الفوضى وغياب السلطات، لذا فاننا نحتاج الى بث قيم أخلاقية، ومبادئ إيمان بكرامة وقيمة الإنسان وحقوقه الطبيعية في الحياة بغض النظر عن جنسه، بالتوازي مع عملية تنمية الضمير الإنساني وتثويره ليصبح المحرك لفكر وعمل الإنسان، خاصة اذا علمنا أن قوى الشر المعنية بالترويج لمثل هذه المفاهيم قد استطاعت على مدى قرون من الزمان اختراق الوعي الفردي والمجتمعي وحققت احتلالا نوعيا، ضربت خلاله الضمير الإنساني بمخدر الخطيئة، فبقي على هذا الحال من جيل إلى آخر حتى استوطنت معاني القتل وسفك الدماء محل معاني الحياة والسلام، ومعاني بتر وقطع الأيدي وجز الرقاب حتى اصبح ضرب النساء مكان الحوار العقلاني بين الإنسان الذكر والإنسان الأنثى، تم جرف وتدمير ومحو المعاني الأصلية للنصوص والمصطلحات، وانشئت مكانها معان تمكن الجماعات والأحزاب الأصولية من الاستحواذ على السلطة بدءا من القاعدة الأصغر (العائلة) وصولا إلى القاعدة الأكبر (سدة الحكم) أو بالهيمنة والسيطرة الاقتصادية التي لا يمكن أن تتم إلا باستعباد النساء وإبقائهن كخادمات، أو في أحسن الأحوال درجة ثانية، ضعيفات لا حول لهن ولا قوة، خاضعات للترهيب بالجحيم، والترغيب بالنعيم ان هن لبين شهوات الرجل ومتعنه وأطعنه طاعة عمياء.
تحسب مجتمعاتنا جريمة العنف ضد النساء والقتل على خلفية الشرف والثأر عملا مشروعا ومفهوما موروثا مميزا، حتى ان البعض بالغ في تمجيدها وزينها كفعل رجولي بطولي إلى حد جعلها عنصرا من المكونات الثقافية لعموم شخصية المجتمعات العربية والإسلامية.
نحتاج تغييرا جذريا يمهد لسن قوانين آمنة، ووضوح وصراحة ومواقف متنورة من رجال الفقه والشريعة والقانون والسياسة، من المثقفين الشعراء والأدباء والكتاب من مبادرات خلاقة من جمعيات النساء والمنظمات الحقوقية، وقبل كل أمر نحتاج لثورة في التعليم، فلعلنا ننشئ جيلا ترجح عنده كفة الضمير بثقل العقلانية والإيمان بحقوق الإنسان دون تمييز بالجنس أو العرق أو الدين، فلا اعدل من ضمير الإنسان.