كلما ياسر عرفات، ترامى أثر الفراشة، هذا الذي لا يزول، أثر تشعر به، ولا تراه، لكنه يجاريك، يحيط بك، ويهبط على قلبك مثل وحي، يحدثك بما كان، وما سوف يكون، وكلما ياسر عرفات، تفتحت شقائق النعمان في سهول الذاكرة، وتعلقت رائحة الليمون بأوان تورده، بكلمات طالما كان يرددها كنبؤءة، تلك التي أدرجها في كتاب المسيرة الفلسطينية الحرة، ضوءًا يشع في آخر النفق.
وكلما ياسر عرفات، غطت الكوفية مشارق الأرض، ومغاربها، وتحدثت بجرح الرواية وطيبها، وهي تترسم جغرافيا، لأرض الحكاية، وكلما ياسر عرفات، لا غيب، ولا غياب، للضريح عشرون عامًا، لكن لروحه اللحظة المستقرة في الزمن فلا تجاعيد لحضورها، ولا شيب يخط مفارق هذا الحضور، والأمر مرة أخرى هو أمر الفراشة في أثرها، وأمر الطبيعة في بداهة جاذبيتها الآسرة.
كلما ياسر عرفات، تتفتح لغة الأسطورة في حكاياته التي بقدر ما هي فلسطينية، بقدر ما هي إغريقية، على نحو ما جاء في حكايات الإغريق من ملاحم، واشتباكات تراجيدية، كمثل "ادوسيوس" عاد إلى مرابط خيله، لكنه أيضًا كمثل "أخيل" نالوا من كعبه.
وكلما ياسر عرفات تقرش القوم في باحة الوطنية الفلسطينية، فتبرعمت الفصائل، وتعددت، وتنوعت، ومن حوله تجمعت.
عشرون عامًا للضريح، عشرون عامًا لحادثة التراب فحسب وليس لغيابه، وليس لحياته التي لا تنسى، وعشرون عامًا ومنذ أن كان الزمن، ليس ثمة غير هذه الحقيقة، وطن واحد، وشعب واحد، مصير واحد.
عشرون عامًا منذ أن تولى صاحبه ورفيق دربه، الرواية والراية معًا، بات الضوء في آخر النفق أقرب وأقرب، وقد جلست فلسطين على مقعدها في الأمم المتحدة، وباتت لها العضوية في معظم مؤسسات المجتمع الدولي، القانونية، والعدلية، والأمنية، والاقتصادية، والفنية، والثقافية، وسلامًا أيها الزعيم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها