"ذهب غالانت وبقيت حماس" قول عاكس لتجرد قائله وجماعته من المبادئ والقيم الوطنية عمومًا، والحد الأدنى من المشاعر والأحاسيس الإنسانية التي يجب أن يتمتع بها شخص يقدم للجمهور بصفة قيادي، فسامي أبو زهري ناطق باسم حماس، قدم حماس في هذا التصريح  كجماعة مسلحة تتصارع مع أخرى (إسرائيل) على النفوذ في قطاع غزة، لضمان البقاء والاستمرار في سلطة الانقلاب على المشروع الوطني، حتى بلغ رقم قائمة ضحايا الإبادة الصهيونية مئات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى من الشعب الفلسطيني، وصارت مدن وبلدات ومخيمات قطاع غزة ركامًا.

لم يكن تصريح أبو زهري منفصلاً عن واقع التبعية العمياء لسادتهم في طهران، ذلك أن المستخدم المستأجر لتنفيذ الأوامر فقط لا يمكنه مخالفة توجهات وتعميمات مستخدمه، ولا يستطيع بلوغ صفة الوكيل حتى، فهذه الصفة فيها بعض من الاستقلالية، لا تقوى جماعة أبو زهري على صعود درجاتها، وإنما على العكس، نراهم يراهنون على دماء شعبنا، التي يرونها كالمياه اللازمة لتعويم زورقهم الخاص جدًا، الذي لا يتسع لأحد من المواطنين الفلسطينيين، ضحايا مغامراتهم وأفعالهم اللامحسوبة، إلا إذا كان من قياداتهم وأزلامهم وأتباعهم.

فمليونا مواطن وأكثر، لا يرى قادة حماس كيف تشتت آلة الإبادة الصهيونية الحربية شملهم، وترتكب المجازر تلو أخرى، حتى بلغ  الرقم المعلن والمعروف 150 ألف شهيد وجريح، وعشرات آلاف المفقودين تحت ركام المباني المدمرة، أو أسرى لا يعرف أحد مصائرهم حتى لو كانت أعتى مؤسسة حقوقية في العالم.

وكأن أبو زهري لا يعلم أن ثلثي ضحايا الإبادة هم نساء وأطفال فلسطينيون يحملون مواصفات وحقوق الإنسانية كافة، ولا يشاهد التقارير على ذات شاشات الفضائيات التي تبث تصريحاته، ويطل عبرها لتوزيع ونشر أوهام جماعته، ودعايتهم - المخالفة لأي منطق وطني وإنساني– وصفع المتلقي الفلسطيني والعربي لإفقاده توازنه ومنعه من التفكير للحظة، وكأنه وقادة جماعته لا يقرأون ولا يشاهدون مليوني نازح في قطاع غزة، جائعين، محاصرين، مهدد كثير منهم بالموت جوعًا أو بتفشي أمراض لا يوجد الحد الأدنى من اللازم لعلاجها، فكأنهم صم بكم عمي لا يفقهون صرخات وحال المكلومين المعذبين، المقهورين في قطاع غزة.

كشف مرشد إيران الخامنئي في خطبة الجمعة الماضية تبعية حماس، مغلفًا الأمر بجمل تضليلية سبقها بتمجيد اتباعه في حماس إلى أن قال: "لقد خاضت حماس تسع معارك مع الكيان الإسرائيلي خلال الأعوام الـ 15 عامًا الماضية، وفي جميع تلك المعارك فشل العدو في تحقيق أهدافه، واليوم انتصرت أيضًا. فالعدو كان يريد القضاء على حماس وفشل في ذلك فعمد إلى قتل آلاف الأبرياء وأظهر وجهه القبيح للعالم وعزل نفسه،وبهذا الخطاب (المصيبة) في مكان لعبادة الله، كان يفترض أن يكون رمزًا لقول الصدق، ونشر ثقافة قداسة نفس وروح ودماء الإنسان، بعث الخامنئي تعميمه إلى قيادة جماعة حماس لنشره، وإقناع المضللين، وهذا ما فعله أبو زهري. لكن ليس قبل أن يفعله من قبل خالد مشعل، وموسى أبو مرزوق، وخليل الحية الذين كشفوا في تصريحاتهم المرئية والمسموعة والمكتوبة على أمر واحد: "حماس فقط وما بعدها فليكن الطوفان".