المملكة العربية السعودية دولة محورية في الشرق الأوسط والعالم، بغض النظر على من يجلس على مقعد المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في واشنطن، فهي دولة تملك تاريخًا هامًا، ومنها انتشر الدين الإسلامي، والحضارة العربية، وللسعودية تاريخ أسبق من الإسلام، فمنها خرجت الكثير من القصص والأساطير، والأهم فيها بدأ الأدب والشعر العربي، وها هي المعلقات الشعرية لا تزال، بأسماء كتابها أساس الشعر والأدب العربي. والسعودية المعاصرة هي مركز الدول الإسلامية، دولة نفطية مركزية بسوق النفط العالمي، وعضو في منتدى الدول العشرين الأغنى في العالم، وفيها قيادة طموحة تريد أن تحول السعودية إلى رقم مهم في الاقتصاد والسياسة والتنمية.
هذه هي السعودية بغض النظر عن التوازنات الإقليمية والدولية، ولهذا فإن للسعودية دورًا محوريًا متميزًا سيكون في الحقبة الترامبية الجديدة، خصوصًا إذا كان هناك عزم في إحلال السلام الدائم والشامل وفي صياغة الشرق الأوسط الجديد، ولأنها تدرك هذا الدور قامت بالتمهيد والإعداد لهذه الحقبة، وشكلت في هذا السياق التحالف الدولي لحماية حل الدولتين، وفيها تعقد القمة العربية الإسلامية الأسبوع الجاري.
والسعودية قالت موقفها أن لا سلامًا حقيقيًا في الشرق الأوسط بدون وجود دولة فلسطينية على خريطة المنطقة تعبر عن هوية الشعب الفلسطيني وتطلعاته كجزء من السلام الشامل في المنطقة.
ومما يساعد في التوجهات السعودية، هو أن منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني قد وقعت اتفاق إعلان المبادئ مع إسرائيل وتبادلت الاعتراف معها، كما أن للشعب الفلسطيني قيادة ذات رؤية ثاقبة ولديها قناعة بأن السلام العادل وحده يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.
وبالتأكيد، فإن السعودية، المنخرطة بالقضية الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وكانت جزءًا من كل التحركات والمراحل المتعلقة بالقضية الفلسطينية، تدرك، أو هكذا تقول التجربة أنه بدون دولة فلسطينية، لا يمكن تحقيق سلام مستدام وقابل للحياة لفترة تضمن ولادة شرق أوسط جديد.
ونتذكر هنا أن السعودية وملكها المغفور له عبد الله بن عبد العزيز، هما أصحاب المبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002، والتي وافقت عليها جميع الدول العربية دون استثناء أو تحفظ، ولاحقًا وافقت عليها الدول الإسلامية.
ومن الواضح أن السعودية، وعندما تقول ألا تطبيع بدون وجود دولة فلسطينية، فهي تؤكد تمسكها بروح هذه المبادرة، التي نصت حرفيًا بضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، لتأخذ عملية التطبيع الكامل مجراها.
والآن ومع عودة الرئيس الأميركي ترامب إلى البيت الأبيض، فإن الرياض تشعر بأن لديها فرصة للعب دور أكبر في الإقليم والعالم، فالقيادة السعودية حافظت على علاقة جيدة مع ترامب وفريقه، وهي علاقة مصالح مشتركة قادرة على التأثير، وأن لدى العرب فرصة أكبر للتأثير إذا شكلت السعودية ومصر والأردن وفلسطين وباقي دول الخليج، ودول عربية أخرى محورًا يصنع أو يسهم في صياغة شرق أوسط جديد.
المرحلة القادمة قد تحمل آمالاً، لكنها لن تكون مرحلة سهلة معبدة بالورود، فالرئيس ترامب، رئيس قوي، ويبحث أولاً عن المصالح الأميركية، ومصالح الشركات الأميركية، وبالتالي لدى العرب الذين يملكون النفط والغاز، والموقع الاستراتيجي التجاري والجيوسياسي، ما يجعل منها قوة مؤثرة. ما نحتاجه كعرب وفلسطينيين هو أن نقدم أنفسنا بطريقة تعكس وحدتنا وتضامننا، ولكن بمنطق العصر، ومنطق توازن المصالح وتكاملها. والمهم في كل ذلك أن تحافظ الأمة العربية على دورها، وأن يتم المحافظة على فلسطين والشعب الفلسطيني، فالسلام يصنع بين أطراف لديها نوع من التكافؤ والتكامل، ولا يصنع بالقوة العسكرية الغاشمة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها