في قرار سياسي من العيار الثقيل، وفي خطاب له أمام البرلمان التركي، أعلن رئيس دولة فلسطين محمود عباس أبو مازن التوجه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، هذا القرار الذي يتسم بالكثير من الجرأة والحكمة، والذي يمكن تسميته بقرار "المسيرة الرئاسية نحو غزة"، يستحق التوقف عنده للدراسة والتحليل، ومحاولة تفسير المعاني المقصودة منه والأبعاد التي يرمي إليها.
أكد الرئيس في قراره على أن القيادة الفلسطينية استنفذت كافة الحلول الممكنة لوقف حرب الإبادة ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، ولم يعد هناك من يمكن التعويل عليه لوقفها سواء منظمات دولية أو دول وحكومات، واعتبر أن قراره بالتوجه إلى قطاع غزة يأتي كحل أخير في محاولة لوقف هذه المقتلة التي ينفذها جيش الاحتلال، كما أكد الرئيس أبو مازن في قراره أنه أراد أن يكون مع أبناء شعبه في قطاع غزة مهما كلفه ذلك من ثمن، معتبرًا ذلك جزءًا من مسؤولياته وواجباته تجاه شعبه، وهو يدرك تمام الإدراك أن التوجه إلى قطاع غزة قد يكلفه حياته "فإما النصر أو الشهادة"، ورغم ذلك وضع الرئيس المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه ما يجري من حرب إبادة في قطاع غزة، لذلك دعاهم جميعًا للانضمام للمسيرة الرئاسية نحو غزة، ووضعهم أمام مسؤولياتهم تجاه حماية شعبنا وقيادته وفقًا لقواعد القانون الدولي وتأمين وصول المسيرة الرئاسية إلى قطاع غزة.

يرى الرئيس أبو مازن أن كافة الأبواب قد أغلقت أمام وقف حرب الإبادة في قطاع غزة، ومن الواضح أنه رأى في توجهه إلى قطاع غزة أداة ضغط هو يمتلكها، قد يكون لها أثر بما يمثله من حالة رمزية ووطنية فلسطينية كقائد للشعب الفلسطيني، وكذلك بما يمثله على المستوى الدولي كرئيس منتخب ورمز وداعية للسلام.
ولقد حدد الرئيس أبو مازن أن القيادة الفلسطينية سوف ترافقه بما يشمل قيادات فصائل العمل الوطني الفلسطيني وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، كما دعا الرئيس قادة دول العالم والأمين العام للأمم المتحدة للمشاركة في المسيرة الرئاسية نحو غزة، ومن المرجح أن يدعو الأمناء العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات الإقليمية، وقادة الأحزاب في العالم، وقادة الرأي، والإعلاميين ووسائل الإعلام، والقادة المجتمعيين، وقادة المجتمع المدني، والفنانين، والكتاب والأدباء والشعراء، والاتحادات الشعبية الفلسطينية والعربية والعالمية للانضمام إلى المسيرة الرئاسية نحو غزة.

لا تملك الولايات المتحدة الأميركية القدرة على اتخاذ موقف عدائي تجاه المسيرة الرئاسية نحو غزة لما يمكن أن يسبب لها من حرج بالغ أمام العالم أجمع، على أنه من المرجح أن تعمل الإدارة الأميركية على ممارسة كافة أشكال الضغوط على القيادة الفلسطينية وعلى الأطراف المتوقع مشاركتها، في محاولة لتعطيل المسيرة الرئاسية وصولاً إلى إلغائها، بهدف حماية دولة الاحتلال من إمكانية مواجهة ممثلي العالم أجمع بكل أطيافه على الأرض الفلسطينية في قطاع غزة. على أنه من غير المتوقع أن تجرؤ إسرائيل على اتخاذ إجراءات عدائية ضد مسيرة عالمية يشارك فيها ممثلون لكل دول وشعوب العالم.
أعتقد أن الرئيس أبو مازن ماضٍ في تنفيذ قراره ولن يثنيه عنه شيء، وإن نجاح المسيرة الرئاسية نحو غزة سوف تعمل إضافة إلى وقف حرب الإبادة ضد شعبنا في قطاع غزة وعلى كسر الحصار عن القطاع، وفتح بابٍ واسعٍ أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى شعبنا في قطاع غزة الذي هو بأمس الحاجة إليها، وإطلاق مبادرة عالمية لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال، ووضع قواعد جديدة لإنهاء الاحتلال على كامل أراضي الدولة الفلسطينية.