لم يكن الرئيس أبو مازن في خطابه التاريخي الذي ألقاه في البرلمان التركي، ساعيًا لأي استعراض استهلاكي، ولا مزاودًا على أحد، وهو يقرر التوجه مع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، موضحًا سبب هذا القرار وغايته الأساسية "لكي نكون مع أبناء شعبنا، فحياتنا ليست أغلى من حياة أي طفل فلسطيني، فنحن نطبق أحكام الشريعة الإسلامية فإما النصر أو الشهادة".

المعارضة حتى العدمية منها، قبل أي طرف آخر، تعرف جيدًا أن الرئيس أبو مازن لم يكن يومًا استعراضيًا، وتعرف أن له دومًا جملته الوطنية المسؤولة، جملة المعرفة،  والسياسة، والرؤية، والقرار، وأن خطواته في دروب الحرية والاستقلال، خطوات مدروسة، وموزونة بميزان ذهب الحكمة، والسياسة العقلانية، والثوابت الوطنية المبدئية، والمسؤولية الأخلاقية، والسلوك الدولي.

لم يرد الرئيس أبو مازن بكل ما يمثل، وما يتحمل من مسؤوليات، وما يحمل من تسميات، لم يرد بقراره هذا إثبات حضوره في قطاع غزة، وهو الذي لم يغب عن القطاع يومًا، بسياساته التي لم تقطع شعرة معاوية، حتى مع سلطة الانقلاب الحمساوية، برغم كل سياساتها التعسفية، لأجل ألا يقع المزيد من الضيم على أهل القطاع، ولأنه أكد وشدد أمام البرلمان التركي، أن لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة، وإنما أراد الرئيس بمثل هذا القرار التاريخي والذي سنسميه قرار غزة، سواء تحقق أم لا، أراد أن يوضح ويؤكد انعدام  صلاحية  الهوامش أن تكون  بديلاً عن المتن، لتفتي بأمره، أو لترسم له مستقبله.

ولأنه صاحب المتن، وحاميه، فقد دعا العالم بمقاماته المختلفة، إلى دعم مسعاه هذا، وتمكينه مع أعضاء القيادة الفلسطينية من الوصول إلى قطاع غزة، حتى لو كانت الطريق إلى القطاع مليئة بالألغام، وبكمائن الاغتيال، فالإرادة في المحصلة هي إرادة الإيمان، إما النصر أو الشهادة.

هذا ما أراده الرئيس أبو مازن تمامًا، تأكيد هذه الحقيقة التي لا سبيل للقفز عنها، الهوامش لن تكون بديلاً عن المتن الوطني الفلسطيني، والمصالح الإقليمية، ولا يمكن أن تمر على حساب المصالح الوطنية الفلسطينية خاصة مصالح  تلك المشاريع المذهبية، والاستحواذية الشوفينية.

دولة فلسطين المتن، بقيادتها، وتضحيات وصمود شعبها، هي صاحبة الولاية على قطاع غزة، والضفة الفلسطينية، والقدس الشرقية، ولأنها المتن الدولة، وصاحبة الولاية، فإن مفاتيح الحل بيدها لا بيد غيرها.

الذهاب إلى قطاع غزة، ذهاب نحو الحل، الحل في إطاره الملزم: وقف حرب الإبادة الإسرائيلية، ولجم عبثية أوهامها وخطاباتها الشعبوية، وإزالة الغمة عن أهلنا في القطاع الجريح، وتأمين كامل المساعدات الإنسانية لهم، واليوم التالي في القطاع الجريح، لن يكون غير يوم الاستقرار وإعادة البناء، تحت راية السلطة الوطنية، وبوحدة الكل الوطني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعلى الهوامش أن تعي ذلك جيدًا، فلا تضيع على حالها وعلى أهلنا في قطاع غزة، مزيدًا من الوقت في عبث حربي أو سياسي لا طائل من ورائه.

ثمة ملاحظة أخيرة، حركة "حماس" ما زالت حتى اللحظة لم تقل كلمة واحدة عن خطاب الرئيس أبو مازن، وقراره التاريخي، وهي أدرى أن الرئيس أبو مازن في غزة، مع أركان القيادة الفلسطينية، فرصتها الأكيدة لخلاص يبقيها على قيد الحياة السياسية، الحياة التي تظل فاعلة، في إطارها الوطني البليغ في شرعيته الدستورية والوطنية والنضالية. تعرف "حماس" ذلك، وتظل في صمت لا يبدو غير أنه صمت الهوامش.