في ظل احتدام المنافسة وعمليات التحريض المتبادلة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ومرشحيهما للانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر القادم، كان متوقعًا أن تخرج دوامة التجاذب والمخاطبة الحادة عن سياقها الديمقراطي بين المرشحين بايدن الديمقراطي وترامب الجمهوري، ولهذا عميق الصلة بجولة الانتخابات السابقة في 2016، ورفض الرئيس السابق التسليم بفوز خصمه الديمقراطي، وتحريض العصابات العنصرية الافنجليكانية على اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2017، التي نجم عنها وقوع ضحايا، ومحاصرة أعضاء الكونغرس الأميركي في مكاتبهم، مما شكل سابقة خطيرة، وتهديدًا خطيرَا للديمقراطية الأميركية، ومؤشر على تراجع مكانة الولايات المتحدة داخليًا وعالميًا، وباتت إحدى التهم الرئيسية في ملاحقة المرشح الجمهوري الحالي، التي اسقطتها المحكمة العليا الأميركية مؤخرًا عنه، بيد أن هناك نحو 32 قضية فساد مازالت مرفوعة عليه.  
ورغم ذلك سمحت المحكمة العليا لترامب بمواصلة ترشحه عن الحزب الجمهوري، مما آثار حفيظة الرئيس بايدن، ومرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات، وهاجم رئيس المحكمة العليا باعتبارها تواطأت مع منافسه الجمهوري، وخلال الشهور القليلة الماضية من حملات المنافسة ازدادت حدة التوتر والتنمر بين المرشحين، وبالتالي لم يكن مفاجئًا للمراقب الموضوعي حدوث محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب اول أمس السبت 13 يوليو الحالي، في اثناء القائه خطابا امام مناصرية في بنسلفانيا من قبل الشاب توماس ماثيو كوكس (20 عامًا). لا سيما وان عملية الاستقطاب أمست أكثر حدة. وهي المحاولة الثالثة خلال الستين عامًا الماضية ضد الرؤساء الأميركيين جون كينيدي 1963، ودونالد ريغان 1981. 

وترافق مع ذلك تصاعد الحملة في أوساط الحزب الديمقراطي في أعقاب فشل المرشح بايدن في مناظرته الأولى مع ترامب الجمهوري، مما دعا العديد من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين، بالإضافة لزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك تشومر لمطالبته أو نصحوه بالانسحاب من المنافسة. لكن الرئيس الحالي المولع بمواصلة المنافسة رفض تلك الدعوات، وأصر على موقفه، وأكد أنه الأقدر على مواجهة المرشح الجمهوري، مع أنه أقر انه لم يكن موفقًا في المناظرة الأولى. 
ووفق النظم الأميركية في الحزبين بعد الموافقة من المؤتمر التمهيدي والموافقة على مرشح أي من الحزبين يصعب على القوى المعارضة لهذا المرشح أو ذاك إزاحته عن موقع المنافسة، إلا إذا هو انسحب من ميدان المنافسة، وحتى مؤتمر الحزب الديمقراطي في أغسطس القادم لا يستطيع منعه من متابعة الترشح عن الحزب. وكان الرئيس بايدن حصل على دعم أركان وأعضاء الحزب الديمقراطي في المؤتمر. أضف إلى أنه خلال ولايته الحالية في السنوات الماضية حقق إنجازات إيجابية في المسألة الاقتصادية بتخفيض نسبة التضخم من 9% إلى 3%، والملف الاقتصادي يعتبر ركنا هامًا وأساسيًا بالنسبة للناخب الأميركي. كما أعاد ترميم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وأعاد الاعتبار لحلف الناتو، واستعاد عضوية الولايات المتحدة في المنظمات الأممية التسع التي انسحب منها الرئيس السابق ترامب، وإن كان ورط الولايات المتحدة في حروب عديدة منها حرب أوكرانيا، ومشاركة وقيادة ودعم دولة إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية على أبناء الشعب الفلسطيني، وكلا الحربين تركت بصمات سلبية على الرأي العام الأميركي، مما نجم عن ذلك انخفاض شعبيته، وتراجعه وفق استطلاعات الرأي قبل محاولة اغتيال ترامب بنقطتين أو ثلاث لصالح خصمه الجمهوري. 

والآن في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس ترامب، ووفق تقديرات العديد من الخبراء، فإن نسبة التفاوت بينهما ستتضاعف لصالح المرشح الجمهوري، الذي وقف شامخًا قويًا بقبضته العالية مباشرة، رغم اصابته في اذنه اليمنى ونزيف الدم على وجهه، وأعلن أنه سيحضر مؤتمر الحزب الجمهوري يوم الاثنين 15 يوليو لترسيم ترشحه، بعد أن تفوق على أقرانه الجمهوريين، الذين نافسوه على الموقع. 
ومؤكد أن محاولة الاغتيال ستزيد من تعقيدات وصعوبات الرئيس الديمقراطي في المنافسة، وقد تثقل كاهله وكاهل بطانته المقربة، الذين ما زالوا يدعمونه في الاستمرار في المنافسة، إلا إذا حدثت تطورات غير منظورة قد تؤثر على بقائه في الميدان. السيناريوهات مفتوحة على أكثر من مستوى وصعيد في الأيام والأسابيع القادمة، خاصة أن هفوات وسقطات الرئيس بايدن تتضاعف وتتوالى مما سيساعد أنصار انسحابه أكثر فأكثر، وقد تضغط على المقربين منه لدفعه للانسحاب. وحسب تقديرات المختصين فإن أفضل المرشحين الديمقراطيين لخلافته في المنافسة هو غافن نيو سوم، حاكم كاليفورنيا، الذي يملك الكاريزما والحضور القوي، وليست كمالاً هاريس نائبة الرئيس الحالية، لاعتقادهم أنها ليست مؤهلة وضعيفة. وإن غدٍ لناظره قريب.