منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتعرض الضفة الغربية لمجزرة صامتة تتسارع بشكل مقلق، حيث يفرض الاحتلال حصارًا شاملاً ينفذ باسم حماية المستوطنين، وتحت ذريعة الحاجة إلى تأمين الطرق الالتفافية، كما تظهر هذه الحملة أيضًا في مطالب بإقامة مناطق عازلة حول المستوطنات وتقييد حركة الفلسطينيين على الطرق؛ ومن خلال متابعاتنا وجدنا أن عددًا كبيرًا من البوابات والحواجز الأمنية والعسكرية التي تحد من حركة المواطنين الفلسطينيين تم اقامتها او وضعها بشكل مباشر من المستوطنين أو بطلب منهم والهدف دومًا ممارسة السادية اتجاه الفلسطينيين.

في محافظة سلفيت، نجد مثالاً حيًا على هذا التوتر المتزايد، يتسارع التوسع في الاستيطان، ويتزايد تسليح المستوطنين، ما يشكل تهديدًا مستمرًا للاستقرار، فالتسليح يُعزز سيطرة المستوطنين على الأراضي ويزيد من حدة التوترات، ولا يمكن تجاهل التأثير النفسي البالغ وارتفاع مستوى القلق والخوف بين السكان الفلسطينيين.

ومن المهم فهم أن هذا التسليح لا يمثل تهديدًا فقط على الصعيدين الأمني والاقتصادي، بل يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وهذا يفرض ضرورة التحرك الدولي العاجل لوقف هذا التهديد، والعمل على فرض عقوبات على المسؤولين الاسرائليين عن تسليح المستوطنين.

تسليح المستوطنين برعاية حكومية:

إن قرار يتسحاق أهرونوفيتش وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال "تسهيل وزيادة تسليح الجمهور الإسرائيلي" شكل اعلان رسمي باطلاق موسم "القتلة المرخصين" فعليّاً، ومنحهم غطاء قانونيّاً لقتل أي فلسطيني لمجرد الاشتباه به، كما أن اعلان بن غفير أن "إسرائيل تسلح نفسها" والذى ظهر علنًا يوزع السلاح على المستوطنين، ضاعف من عدد حاملي السلاح في المستوطنات، فمستوطنة أريئيل المقامة على أراضي محافظة سلفيت أصبحت من المستوطنات التي تتصدر النسب المرتفعة في التسليح، حيث نسبة حاملي السلاح هي 9.2%، وفي المقابل، فإن نسبة حاملي السلاح في تل أبيب والقدس هي 1.5% تقريبًا، وبحسب الاعلام العبري أن عدد الاسرائيليات اللواتي حصلن على "رخصة حمل سلاح"، ارتفع بنسبة 88% منذ بداية العام الجاري 2023، وأظهرت البيانات، أن من بين الـ510 اللواتي حصلن على رخص لحمل السلاح، فإن 42% منهن يقطن في المستوطنات في الضفة الغربية، وينطلق المستوطنون في هجماتهم عبر مجموعات خاصة وبمسميات عدة أهمها "شبيبة التلال" و"تدفيع الثمن" و"كهانا حي"، وهي امتداد لجماعات مشابهة انطلقت عقب احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967، وتشابهت في الأهداف والسياسات مع جذورها من عصابات "شتيرن" و"الهاغاناه" و"الأرغون" التي قتلت وهجَّرت الفلسطينيين سنة 1948.

تصاعد الهجمات في محافظة سلفيت:

منذ بداية عام 2023 والمستوطنون في صراع مع الزمن لتنفيذ مخططاتهم بالقتل للاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض، مستغلين وجودهم وتأثيرهم في الحكومة المتطرفة، فجرائم المستوطنين الآخذة بالتنامي حجماً ونوعاً وعدداً، وعلى مرأى من جيش الاحتلال وتحت حمايته تشكل خطرًا حقيقيًا يهدد حياة المواطنين سواء في محافظة سلفيت او باقي محافظات الوطن؛ حيث رصدنا في الآونة الأخيرة ما يزيد عن 220 اعتداء نفذته عصابات المستوطنين ضد الاهالي والمزارعين وممتلكاتهم بالمحافظة.

وأبرز ما يؤكد على تصاعد التطرف والحقد لدى المستوطنين، قيامهم مؤخرًا بإلقاء منشورات تدعو للتهجير إلى الأردن، حيث تم توزيعها في بلدة ديراستيا بمحافظة سلفيت، كما أن استشهاد الشاب المهندس علي حرب وهو يفلح أرضه في قرية سكاكا بالطعن من على يد مستوطن، واستشهاد الشابين مثقال ريان واحمد عاصي برصاص مستوطنين وهما يدافعان عن ارضهم في قراوة بني حسان، نماذج حية تشكل انعكاسًا للتطرف ونهج القتل لدى المستوطنين من أجل السيطرة على الأرض.

الاستيلاء على الأرض:

إن الهدف الأساسي الذي يعمل عليه المستوطنون السيطرة على أكبر مساحة من الأرض، لذلك لا تتوقف الجرافات التي تعمل على تسمين المستوطنات ال 24 الجاثمة على أراضي محافظة سلفيت والتي تتوسع بشكل يومي، من خلال بناء الوحدات السكنية الجديدة وإضافة أحياء كامله لبعض المستوطنات كما في مستوطنة "ياكير"، وتجريف الأراضي لمد خطوط المياه كما يحصل في أراضي سرطه المحاذية لمستوطنة "بركان"، وتوسيع البؤر الاستيطانية كما يحصل في منطقة الرأس في سلفيت واضافة الكرافانات في البؤرة الاستيطانية المقامة في خله حسان في بديا، وشق طرق استيطانية تصل إلى منازل الأهالي كما هو حاصل في بلدة قراوة وغيرها من بلدات غرب سلفيت؛  أضف إلى ذلك قرارات المصادرة والتي كان اخرها في قرية فرخة، حيث تم الاعلان عن مصادرة اراضي تبلغ مساحتها ما يقارب 1400 دونم،  ويوجد فيها نبع ماء، يغطي 25-30% من احتياجات القرية من المياه، ويسكن في المنطقة عددًا من الأسر البدوية التي يلاحقها المستوطنين ويحاولون طردهم من المنطقه، إلى جانب التضييق على الفلسطينيين في عمليات البناء من خلال إنذارات وقف البناء وعمليات هدم المنازل كما حدث في كفرالديك.

تقييد الحركة في محافظة سلفيت:

تعيش محافظة سلفيت حاله من تقطيع الاوصال والارباك لحياة المواطنين وتحركاتهم بسبب ازدياد اعتداءات المستوطنين، والإجراءات العقابية التي يمارسها جيش الاحتلال من خلال نصب الحواجز الطيارة على مداخل البلدات والقرى في المحافظة والتي تقوم بتفتيش المواطنين وفحص هوياتهم واحتجازهم لساعات، إضافة إلى البوابات الحديدية التي تم وضعها على معظم مداخل ومخارج التجمعات الفلسطينية ووصل عددها في المحافظة لاكثر من 25 بوابة والتي يتم فتح وإغلاقها بين الفترة والأخرى كما في بلدات قراوة بني حسان وبروقين وحارس وإغلاق مدخل كفرالديك منذ ما يزيد عن شهر ونصف، ومدخل سلفيت التاريخي الذي تم وضع بوابة حديدية عليه يخضع إغلاقها إلى تنافس انتخابي في مستوطنة أرئيل بين المرشحين المتطرفين.
 
الاستيطان وممارسات المستوطنين سببًا للتوتر  والعنف:

إن الأسباب الحقيقية لتصاعد العنف والتوتر هو الاستيطان وإرهاب المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني والذي وصل حدًا لا يطاق تمثل بالقتل والاعتداءات المباشرة على المواطنين الفلسطينيين ومصادره أراضيهم والاعتداء على ممتلكاتهم ومنعهم من قطف ثمار زيتونهم أو الوصول لأرضهم من خلال إطلاق النار عليهم وطردهم تحت تهديد السلاح، حيث تقدر مساحة الأراضي التي لم يستطع المزارعين الوصول إليها هذا الموسم بحوالي 11 ألف دونم مزروعة ب100 الف شجرة زيتون، وكل ذلك يتم بحماية المؤسسة الرسمية الأمنية والعسكرية لدولة الاحتلال، وفي ظل عدم وجود ضغوط دولية حقيقية لمنع جرائم المستوطنين وغياب الأفق لحل سياسي يكفل الحرية وإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967م وفق قرارات الشرعية الدولية،  ستبقي دوامة العنف في تصاعد وانعدام الامن والأمان، ما يؤثر على الأمن والسلم الدوليين.