حرب الإبادة الجماعية لم تقتصر على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في المحافظات والمدن والقرى والمخيمات، والتي هي بمجموعها بمثابة سجون كبيرة، ولكن تعمقت الحرب على جبهة الأسر في المعتقلات والباستيلات ال23 المعروفة وغير المعروفة، حيث يوجد هناك سجون ومراكز اعتقال جديدة بسبب مضاعفة عدد الأسرى المعتقلين بعد حرب الإبادة على قطاع غزة قبل 125 يومًا خلت، ووصل عدد المعتقلين بعد 7 أكتوبر 2023 لما يقارب 6700 أسير جديد، منهم 3500 أسير من قطاع غزة لوحده وفق معطيات إسرائيلية، نجم عن ذلك، انتفاء أبسط معايير الاعتقال الإسرائيلية التي أقرتها محكمة العدل الإسرائيلية نفسها قبل 7 أكتوبر الماضي، ويتناقض مع أبسط المعايير القانونية والمعاهدات الأممية ذات الصلة. 


كما أن الانتهاكات الإسرائيلية ضد أسرى الحرب الفلسطينيين تميزت بالوحشية اللا أخلاقية والقيمية والقانونية ووفق شهادات حية للعديد من الأسرى الذين افرج عنهم من الجنسين أكدوا حرمان الأسيرات والأسرى من أبسط الحقوق الإنسانية، بانتهاج سياسة العزل الكامل للجميع، وزيادة عدد المعتقلين في الزنازين لما يزيد عن الضعف، الذي ترك أثارًا معقدة في النوم إن كان لجهة المساحة أو الأغطية ودون أسرة والنوم على مراتب رقيقة لا تحميهم من الرطوبة والبرد الشديد، والارباك في استخدام الحمامات والمراحيض، ومنع المحامين وذويهم من التواصل معهم، وانتزاع بعض حقوقهم السابقة مثل وسائل الاعلام كالراديو والتلفزيون لتغييبهم عن واقع شعبهم، وعن العالم ككل، ومصادرة ملابسهم ومقتنياتهم الشخصية، حدث ولا حرج عن التحرش الجنسي واللفظي بالجنسين، والتهديد والوعيد بالاغتصاب، وإزالة الحجاب عن رؤوس النساء رغمًا عنهم، وتصويرهن دونه، والتفتيش العاري للجنسين وباسلوب مهين وقذر، والمس بالمعتقدات الدينية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحياة الأسرى عمومًا دون أي وازع أخلاقي او قيمي.


وهذا ما أكده تقرير أصدره المحامي العام الإسرائيلي في ديسمبر 2023، نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية يوم الثلاثاء 6 فبراير الحالي بعد تحقيق أجراه ممثلو المحامي في السجون الإسرائيلية المختلفة، ورصدوا الانتهاكات الصارخة ضد المعتقلين الفلسطينيين من الجنسين. وحسب التقرير فإن الإجراءات الاستثنائية، التي فاقت من حيث شدتها وفظاعتها سنوات الاحتلال الأولى للضفة والقطاع بعد عام 1967، وزمن الحكم العسكري بعد النكبة عام 1948، والذي وافقت عليه لجنة الأمن القومي في الكنيست بعد 7 أكتوبر مع اعلان حالة الطوارئ.
وحذر تقرير المحامي العام من ان ظروف الاكتظاظ التي يحتجز فيها الاسرى والمعتقلين "بعيدة كل البعد عن الحد الأدنى من الشروط التي حددتها المحكمة العليا في احكامها المتعلقة بمساحة معيشة السجناء". وأن الصورة في السجون قاتمة، وبها العديد من المخالفات مثل " الازدحام الذي لا يطاق، الظروف الصحية السيئة، مشكلة الحشرات وانعدام ظروف التهوية، الافتقار إلى المعدات الأساسية للمعتقلين." وأكثر من ذلك حسب صحيفة "هآرتس" 
 ولم تتعرض التقارير الإسرائيلية والفلسطينية لأساليب الاعتقال الإجرامية للمواطنين من أبناء قطاع غزة، حيث تم تعريتهم من ملابسهم بشكل كامل ودون البوكسرات، وتعذيبهم بشكل انتقامي ووحشي، وتم ارتكاب جرائم اغتصاب للاسيرات والأسرى، وحرموا من الأكل لأيام، كما أبقوا الاصفاد في أيدهم وأرجلهم، والكمامات على عيونهم لفترات طويلة من الاعتقال ودون سبب، وكانت نسبة عالية من الأطفال والنساء والأطباء من بينهم، ولم تراعِ قوات الجيش والمرتزقة المشاركين معهم في الحرب أية معايير قانونية. كما أن هناك العشرات تم اغتيالهم، ولم يعلن عنهم، وما أعلن عنه نتاج معرفة بعض المعتلقين عنهم، ولكن الشهداء الآخرين، الذين لا تعرف أسماءهم ولا جنسهم مازالوا في سجل المفقودين، ومازالت أماكن دفنهم غير معروفة.


هذه الجبهة المفتوحة على أبشع جرائم حرب الإبادة ضد الأحياء أسوة بما يجري ضد أبناء الشعب عمومًا في محافظات الوطن المختلفة وقطاع غزة تحديدًا تتطلب رفع الصوت عاليًا للافراج الفوري عن الأسرى كافة، وعلى من يفاوض لتبادل الأسرى أن لا يتخلى عن إطلاق سراح أسرى الحرية جميعًا ودون استثناء، وأن حصل وتخلى من ادعى من أذرع المقاومة وخاصة حركة حماس، أنه يريد الإفراج عن "الكل مقابل الكل" يكون ارتكب جريمة بحق أسرى الحرية، وبحق الشعب ككل. لأن الثمن الباهض وغير المسبوق من الضحايا في أوساط الشعب، والدمار المروع والهائل في المساكن والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والبنى التحتية يفترض أن يكون بمثابة البوصلة لتحرير الأسرى، غير ذلك يكون عارًا واستهتارًا بحقوق ومصالح الشعب العليا عمومًا ومن بينها تحرير أسرى الحرية دون استثناء.