خطير جدًا ما يحدث، فحملة الإبادة الدموية الصهيونية على الشعب الفلسطيني، توازيها حملة تضليل تستهدف الجماهير في الدائرتين: الفلسطينية والعربية، أدواتها وسائل اعلام ناطقة بالضاد، حيث يسعى أصحابها، ومشتغلون في برامجها لتقمص دور بطولة، لا نراها إلا زائفة، لأنهم بكل بساطة قد تخلوا عن المهمة الأساس لوسائل الاعلام وهي تقديم الحقائق والوقائع كما هي، وذهبوا باتجاه التمويه على نكبة الشعب الفلسطيني ومآسيه ومعاناته، بخلط موادهم الاخبارية وتقاريرهم المسموعة والمصورة، بمصطلحات تعبوية ذات أهداف سياسية فئوية، أما برامجهم المتعلقة بالشأن الفلسطيني تحديدًا، فقد تركوا مبدأ الحوار المنطقي والعقلاني خارج بوابات الاستوديوهات الكاتمة للأصوات !!


ليس هذا وحسب، بل انهم يحاولون وضع الكلام على ألسنة ضيوفهم، بتذاكٍ مكشوف في صياغة اسئلة، تحفل بتمجيد فرع جماعتهم الاخوانية في فلسطين، التزامًا بالولاء لجماعة الاخوان المسلمين ودس اتهامات – يعرفون انها باطلة، لكنهم معنيون بتشويه منهج عمل حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وقيادة الشعب الفلسطيني الشرعية الوطنية، لذلك لا يتورعون عن المراوغة  الكلامية، لاستغلال الوقت لإبداء المواقف المصممة لهم سلفا، ومقصدهم فرض تحليلاتهم الخاصة على المتحدث  الذي غالبا ما يستضاف بصفة "المحلل السياسي" وبذلك يوهمون المتلقي بتطبيق مقولة الرأي والرأي الآخر !.. ولا دليل على ذلك من مقاطعة المتحدث مرات ومرات في بضع دقائق، إذا ما أدلى بمواقف، أو آراء، أو رؤية غير التي يتمنون ترويجها عبر وسائلهم التي تستحق مسمى وسيلة ظلامية "بدل وسيلة اعلامية، فظلامية كلمة أصلها الاسم (ظلام) في صورة جمع تكسير، وجذرها (ظلم) وجذعها (ظلام).


تأثير هذه الوسائل الظلامية على التكوين المعرفي والثقافي والبناء الشخصي للمتلقي، مكمل لتأثير قنابل وصواريخ ودبابات ومدافع وكل صنوف اسلحة جيش الاحتلال، ويلتقيان بالنتيجة، فكلاهما مدمر وقاتل، فهذه الوسائل الاعلامية الاخوانية او الظلامية – بضم الظاء – تدمر العقل والوعي، ومضادة للفكر الانساني، وتعطل التفكير، فالموت العبثي هو القاعدة، أما مبدأ الحياة الانسانية للفلسطيني، وتنميتها، وتجذيرها، وتعزيز مقومات صمودها، فهو تفريط  وتنازل وخضوع ! والحرب والعمل المسلح غاية وهدف، وغفلوا أن هذه وسائل كفاحية قابلة للتغيير واستحداث أخرى، وإنما الأهداف الوطنية هي الثابتة، كالحرية والتحرر والاستقلال وحق العودة، وأن عقل المناضل القائد الوطني مبدع، لا تعجزه وسيلة مشروعة في سبيل انتزاع حق الشعب التاريخي والطبيعي، يعتبرون الدمار والنزوح والمعاناة والأمراض والجوع (تضحية) فيرفعون من شأن من تسببت سياساتهم العبثية بتدمير انجازات القيادة العقلانية لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وكادت تبدد المعاني الحقيقية للمقاومة الشعبية السلمية والتضحية، قيادة واقعية متمسكة بالثوابت الوطنية، زاوجت بين النضال والبناء، وعززت مقومات الصمود والتجذر بأرض الوطن، وجسدت حق العودة للوطن – ولو جزئيا – لمئات آلاف المواطنين الفلسطينيين، ورفعت مستوى جدارة الشعب بدولة مستقلة ذات سيادة، بصروح دولة كالمطار والميناء، ومدارس وجامعات ومستشفيات حكومية، ومدن صناعية ومشاريع زراعية وتنموية، وبنى تحتية وخدمات متميزة بتقدمها وتقنيتها، وتوسع العمران بكل أشكاله، بالتوازي مع نضال وانجازات السياسة في المحافل القانونية الدولية، لتثبيت فلسطين في خريطة العالم، وفي نصوص القانون الدولي.


نحن بمواجهة خطر فظيع يهدد وعي الإنسان العربي، فهذه الوسائل تستمرئ نكبة الشعب الفلسطيني الحالية، بكل ما فيها من فظائع، ونقدر أنهم يتمنون استمرارها، لاعتقادهم بجني مكاسب أكبر، ما دام دم شعبنا ينزف أكثر!.