ما اشبه اليوم بالأمس القريب بنفس الطريقة الوحشية والإجرامية التي أودت بحياة المتضامنة الأميركية راشيل كوري في غزة تحت عجلات جرافات الاحتلال الإسرائيلي نفذت بلدية خانيونس وشرطتها وسائق جرافتها جريمة قتل عن سابق عمد وإصرار للمواطن شادي أبو قوطة (48 عامًا) صباح الخميس أول أمس الموافق 27 تموز/ يوليو الحالي، عندما قام سائق الجرافة المتوحش بتنفيذ امر هدم جدار منزل الشهيد أبو قوطة عليه، مما أدى لوفاته فورًا على مرآى ومسمع من العالم في جورة العقاد بمخيم خانيونس، بذريعة إزالة التعديات وفتح شارع جديد في المنطقة.

وكان الراحل شادي تمكن من انتزاع قرار من المحكمة في 15 تموز/ يوليو الحالي بعدم هدم جدار منزله، ولهذا وقف امام الجرافة وسائقها المجرم، وهو يحمل قرار المحكمة الحمساوية، ويناشدهم ألا يهدموا جدار منزله، لكن الشرطيين اللذين رافقا الجرافة الخرساء والسائق الأمي والمتخلف، طالباه بهدم الجدار على رأس وجسد المواطن الفلسطيني العربي مما أدى لعملية الاغتيال بشكل سافر ووحشي.

مع العلم، أن بلدية خانيونس لا علاقة لها بمخيم خانيونس، وهو ليس تابعًا لولايتها، ولا يمت بصلة لها، أضف إلى أن للمخيم أنظمته وآليات عمله الخاصة المشرفة عليها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا". ورغم ذلك لحسابات وأجندات شخصية نفعية أصرت قيادة البلدية غير المنتخبة والانقلابية على هدم جدار بيت المغدور شادي عطية عبد الحميد قوطة. هذه ليست المرة الأولى، التي تقوم فيها قيادة الإنقلاب بارتكاب انتهاكات خطيرة بحقوق أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب، وهدم بيوتهم ومساجدهم ومصادرة أملاكهم، وفرض الخوات والضرائب عليهم، واعتقالهم دون سبب إلا لسبب الإبتزاز وانتهاك حرمات العباد ومحصناتهم، واستخدام العصا الغليظة والقتل دون تردد، كما حدث أول أمس مع المغدور الشهيد شادي أبو قوطة. 

وردًا على عملية القتل الجبانة التي نفذتها رئاسة البلدية الانقلابية وميليشياتها المأجورة وجرافتها يقول القرآن الكريم في سورة المائدة 36 عن عمليات القتل بغير سبب "أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"، أي أن عملية قتل إنسان بريء، لا يعادلها قتل إنسان آخر، وإنما كأنه قتل الناس جميعًا، ورفع الله جل جلاله مكانة الإنسان المغدور إلى درجات سامية، تتجاوز في أهميتها هدم الكعبة المشرفة ومسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى المبارك.

وفي ردة فعل مباشرة أصدرت عشيرة السطرية –عائلة أبو قوطة بيانًا جاء فيه: أن بلدية خانيونس وعلى رأسها مازن الشيخ بصفته الوظيفية والعائلية، هو المسؤول المباشر عن هذا المشروع، وسائق الجرافة بصفته الوظيفية والعائلية، وعنصري الشرطة المرافقين للجرافة يتحملون المسؤولية الكاملة عن وفاة ابننا المغدور شادي عطية عبد الحميد أبو قوطة. وأضافت مستنكرة ومتعجبة مما تقوم به قيادة الانقلاب الأسود: "تفاجأنا بقيام الجهات الأمنية باستدعاء واعتقال عدد من أبناء العشيرة دون أدنى مبرر، بدلاً من مواساتنا في مصابنا الجلل، وتحمل مسؤولية الحدث الجريمة". وأكدت العائلة، أنها لن تقوم بدفن المتوفى حتى الإنتهاء من إجراءات التحقيق في الحادث والقصاص من القتلة في بلدية خانيونس.

وكما يلاحظ الرأي العام الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا، أن قيادة الإنقلاب برئاسة السنوار وميليشياته لم يكتفوا بقتل الرجل بدم بارد ووحشي، كما فعلت إسرائيل اللقيطة مع راشيل كوري الأميركية في رفح عام 2003، بل قامت بشكل وقح وخارج على القانون باعتقال أبناء العائلة ومن يناصرهم من أبناء الشعب، وأرسلوا ميليشياتهم لفرض الإرهاب على المواطنين، وتكميم أفواههم. وفي ذات السياق، حاولوا الادعاء أنهم ضد ما حصل، وأرغموا رئيس البلدية الإنقلابي على الاستقالة مع المجلس البلدي شكليًا، وادعوا بفتح تحقيق، والأمر لا يحتاج لا لتحقيق ولا لتشريح الجثة ولا للألاعيب الحمساوية المفضوحة، بل إلى قرارات واضحة ورادعة بحق القتلة. لكن إذا كان صاحب الإنقلاب هو القاتل، وهو الحاكم والقاضي في آن، فكيف ستكون النتيجة؟ مزيدًا من عمليات القتل والاستباحة لحقوق المواطنين. وبالتالي على الجماهير الفلسطينية ونخبها السياسية والثقافية والأكاديمية والاقتصادية والحقوقية رفع صوتها، والضغط في هذه اللحظة السياسية لإلزام قيادة الإنقلاب الأسود بالكف عن خيار الامارة، وأخذ القانون باليد، وطي صفحة الإنقلاب، واستعادة الوحدة الوطنية، ومحاكمة كل القتلة والزعران الذين عاثوا فسادًا طيلة السبعة عشر عامًا الماضية.

رحم الله الشهيدين: أبو قوطة وكوري، وكل ضحايا الانقلاب الأسود والاستعمار الإسرائيلي الوحشي، اللذين توحدًا في شهادة الوفاة باداتين إسرائيلية استعمارية وانقلابية اخوانية مارقة مأجورة، وهما وجهان لعملة واحدة.