الجميع يراقب ما يجري في إسرائيل، بخصوص صراع الإرادات بين اليمين المتطرف وبين القوى الليبرالية وبقايا اليسار، عنوان الصراع قانون السلطة القضائية الذي يحاول اليمين السيطرة على الدولة من خلاله، بهذا المعنى فإن إسرائيل تقف على مفترق طرق، إما سيأخذها نحو سيطرة الصهيونية الدينية والأحزاب الدينية الأرثوذكسية المتشددة، وتكون أكثر عنصرية وعدائية نحو شعبنا الفلسطيني، أو أن تنتصر الإرادة الأقل تطرفا والأكثر عقلانية. والمفارقة أن الشعب الفلسطيني أيضا يقف على مفترق طرق صعب، وربما أصعب من الذي فيه إسرائيل، فالانقسام مستحكم بنا ويفرخ انقسامات تهدد الهوية الوطنية بذاتها.

ومن المعروف أن اي تطور قد يحدث في إسرائيل فإن الشعب الفلسطيني هو الأكثر تأثرا، فالأكثر خطورة بالنسبة لنا هو أن يفرض اليمين سيطرته ويحاول مباشرة وبشتى السبل تصفية القضية الفلسطينية، وتصفية وجودنا كشعب وكحقوق وطنية. صحيح ليست لدينا أية أوهام بأغلبية ليبرالية ويسارية إسرائيلية، ولكن تبقى هناك فرصة أكبر للحوار العاقل معهم بعيدا عن حماقات وتهور اليمين الفاشي الأكثر تحجرا وعنصرية.

متذ مطلع الألفية الحالية ونحن نراقب سيطرة اليمين المتصاعدة على المجتمع والدولة الإسرائيلية، لقد انتهت بنية إسرائيل الاقتصادية - الاجتماعية التي أسسها بن غوريون والجناح اليساري الاشتراكي في الحركة الصهيونية وتابع على خطاه حزب العمل، فقد تم خلالها الحفاظ على نوع من التوازن بين ما هو قومي صهيوني وما هو اجتماعي، نظام تقل فيه الفجوات والفوارق الاجتماعية، رغم العنصرية المتفشية فيه بحق الفلسطينيين واليهود الشرقيين بدرجة أقل. ومنذ أكثر من عقدين تحول الاقتصاد الإسرائيلي ليصبح أكثر ميلا للاقتصاد الرأسمالي الحر وسادت سياسة الخصخصة ما أدى إلى تغير بنيوي شامل في إسرائيل، الأمر الذي فتح الطريق أمام سيطرة القوى الأكثر يمينية وحتى الفاشية.

التطور المشار إليه ترك أثره مباشرة على القضية الفلسطينية، التي غابت في السنوات الأخيرة عن برامج معظم الأحزاب، إلا من زاوية التوسع والاستيطان والضم وفرض السيادة الإسرائيلية على كل شبر من  الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

والآن نشهد صحوة للقوى الليبرالية واليسارية، قد تكون متأخرة، لكن مع دعم الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يسيطر على البيت الأبيض، يمكن أن تكون هناك فرصة للجم اليمين المتطرف، خصوصا أن استطلاعات الرأي منذ أسابيع تشير إلى تراجع قوى هذا اليمين فيما إذا أجريت انتخابات في هذه الفترة. من هنا ينبع القول إن إسرائيل تقف على مفترق طرق ربما الأول من نوعه في تاريخها خصوصا أن قسما من اليهود الشرقيين، وهم مصوتون تلقائيون لليمين، قد بدأوا بالشعور هم أيضا بخطر تآكل الديمقراطية وتراجعها في مجمل الحياة في إسرائيل، فإذا ما نجحت القوى الأقل تطرفا، فستكون هناك فرصة، لا يمكن تقدير حجمها منذ الآن، نحو دولة أقل عنصرية، فإذا ما حصل مثل هذا التطور فسيعني ذلك أن لا خطر مباشر على الشعب الفلسطيني.

قد نكون هنا بحاجة إلى توضيح أن الخطر على شعبنا الفلسطيني هو أمر واقع طوال الوقت بغض النظر عمن يحكم إسرائيل، ولكن أمثال نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، فهم يعتقدون أن لديهم فرصة الآن ومباشرة لتصفية القضية الفلسطينية، دون الأخذ بالاعتبار حقائق أكدها الصراع الطويل بين الجانبين بأنه لا يمكن التخلص من الشعب الفلسطيني ومن طموحاته الوطنية. لقد مر الفلسطينيون بتجربة النكبة القاسية، والتي كادت تودي بوجودهم كشعب لكنهم نهضوا من جديد من تحت الرماد ليعلنوا عن أنفسهم بأنهم شعب له شخصيته الوطنية الخاصة، وهم الملاك الحقيقيون لهذه الأرض ولهم فيها جذور راسخة لآلاف السنين، ولهم فيها تاريخ خاص ولأرضهم تاريخ خاص غير ذلك الصهيوني الاستعماري العنصري.

ما يجب الحذر الشديد منه أن اليمين الفاشي قصير النظر يعتقد أن الشعب الفلسطيني اليوم مفكك منقسم على نفسه، وبالتالي إنه الوقت المناسب لتصفية القضية الفلسطينية، وبهذا المعنى فإن المشكلة أيضا فينا نحن، وهكذا كان عليه الوضع في أعوام ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى حصول النكبة، فمن أغرى بن غوريون بالتوسع خارج حدود قرار التقسيم (181) هو انقسام الفلسطينيين والعرب على أنفسهم إلى درجة ضاعت فلسطين وضاع معها الفلسطينيون كشعب وطمست هويتهم الوطنية ولم يعد أحد يطرح قضيتهم كقضية سياسية حتى انطلقت الثورة الفلسطينية من جديد عام 1965.

ويتضح لنا أنه وكما هي إسرائيل على مفترق طرق نحن أيضا نعيش لحظة تاريخية صعبة جدا، قد تكون مفترق طرق قد يودي بنا وبقضيتنا الوطنية لعقدود قادمة.

من وجهة نظري، وقد يشاركني فيها فلسطينيون كثر، أن اجتماع نهاية الشهر الحالي في القاهرة لأمناء عامي الفصائل الفلسطينية لن يضع الشعب الفلسطيني على الطريق الذي يجب سلوكه في مثل هذه المرحلة الخطيرة، وأعتقد أنه من هذا الواقع يستمد اليمين الفاشي الإسرائيلي نفسه العدواني الشرس تجاه شعبنا. هناك مشاكل كثيرة داخل الجسم الفلسطيني بحاجة إلى النظر إليها بمسؤولية وطنية حقيقية، ولكن هذه المسؤولية ليست موجودة لدى معظم من سيجتمعون في القاهرة إما بسبب الارتهان للخارج أو لعدم وجود رغبة عربية حقيقية للمساهمة فعلا في توحيد الفلسطينيين، رغم الجهود المصرية المخلصة.

قد يكون أقصر الطرق هو الاتفاق على برنامج قصير الأجل للتصدي إلى مخططات نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وإظهار الوحدة تجاه هذا الخطر الداهم المباشر. ولكن، وبغض النظر عن الاتفاق على شكل المقاومة وأدواتها من عدمه، على الشعب الفلسطيني أن يكون له مركز قرار سياسي واحد، على المجتمعين نهاية الشهر تقرير الشكل الأنسب لتحقيق هذا الهدف.