تحقيق: فاطمة إبراهيم

يستعد أكثر من 2 مليار مسلم حول العالم لاستقبال عيد الفطر المبارك نهاية الأسبوع الجاري، احتفالا باتمام صيامهم في شهر رمضان الفضيل، حيث يعدون حلويات خاصة بالعيد ويشترون الملابس الجديدة، خاصة لأطفالهم، إلا أن ظروف العيد وأبسط التفاصيل المرتبطة به تختلف لشعب يعيش تحت الاحتلال والواقع المرير الذي يفرضه.

ففي فلسطين، لا تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن محاولاتها لقتل فرحة الفلسطينيين بأعيادهم ومناسباتهم السعيدة، ولا تتورع قوات الاحتلال عن اقتحام المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية، وحتى أماكن العبادة، لتعيث فيها دمارا.

اليوم الثلاثاء، كانت مدينة جنين ومخيمها على موعد مع عدوان جديد للاحتلال في وضح النهار، بينما كان المواطنون، كبارا وصغارا، يرتادون الأسواق لشراء حاجات العيد.

المواطنة هديل حسين (32 عاما)، واحدة من مئات المواطنين الذين كانوا متواجدين في شارع أبو بكر، مركز المدينة التجاري والمزدحم بالأسواق والمتسوقين، عندما اقتحمت المدينة قوات خاصة من جيش الاحتلال، لحقتها عشرات الآليات العسكرية.

أضطرت هديل وغيرها من المواطنين إلى مغادرة السوق على عجل، بحثا عن مكان للاحتماء من رصاص الاحتلال، الذي لا يفرق بين أحد.

تقول حسين: "أنهيت دوامي في المدرسة وذهبت إلى السوق لأكمل شراء ما احتاجه من لوازم العيد، وبينما كنت أسحب مبلغا من المال عبر صراف بنكي، سمعت صوت إطلاق نار قريب جدا من السوق، وعلت أصوات المركبات العسكرية الإسرائيلية، وبدأ الناس الهرب في كل الاتجاهات، سحبت بطاقتي البنكية وهربت كباقي الناس".

وتضيف: "تذكرت يوم اغتيال قوات الاحتلال الخاصة للشبان وسط شارع أبو بكر في وضح النهار قبل أقل من شهر، وبينما كان الشارع مزدحما بالمواطنين، حيث أن الاحتلال لا يراعي أي اعتبارات عند تنفيذه لجرائمه بحق شعبنا".

وعقب اقتحام قوات الاحتلال، سارعت الكثير من المحال التجارية لإغلاق أبوابها، وغادر عدد كبير من المواطنين سوق المدينة خوفا على حياتهم وهربا من رصاص قناصة الاحتلال الذين انتشروا على عدد من أسطح المنازل.

وتشهد أسواق جنين منذ بداية الشهر الجاري حركة شرائية ضعيفة بسبب تكرار الاقتحامات الإسرائيلية للمدينة ومخيمها، في ظل الشعور بعدم الأمان، إلى جانب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة ما خلّفه عدوان الاحتلال المتواصل على اقتصاد المحافظة ككل، والتي تعتمد على المتسوقين من أبناء شعبنا داخل أراضي الـ48.

وقبيل عيد الفطر السعيد، يمكن ملاحظة خلو كثير من المحلات التجارية من المتسوقين، إضافة لقلة الازدحام التي كانت تعرف بها شوارع المدينة في مثل هذا الوقت وعند قرب العيد.

يقول المواطن جهاد جرادات، صاحب محل للأحذية إن "حركة الشراء هذه السنة ضعيفة مقارنة بالسنوات السابقة، نحن في أواخر شهر رمضان، وبالعادة هذه الأيام الذهبية لنا كأصحاب محلات للبيع".

ويضيف: "الأحداث التي تمر بها جنين أثرت على الحركة الشرائية بشكل كبير، حيث ارتقى عدد كبير من الشهداء في المحافظة منذ مطلع العام، وجيش الاحتلال يواصل اقتحاماته للمدينة في أي وقت من النهار وأي مكان دون مراعاة أي اعتبارات، جعل الناس تقلل من نزولها إلى الأسواق".

ويرى جرادات أن الوضع في المدينة متوتر بشكل عام وهو ما ينعكس على مزاج الناس وإحساسهم بالحاجة للشراء والاحتفال بالعيد.

ويتفق المواطن محمد أبو سليم، صاحب محل للأدوات المنزلية في جنين، بالرأي مع المواطن جرادات.

يقول أبو سليم إن "الحركة الشرائية في رمضان لهذا العام تراجعت بنسبة تصل إلى 40%؜ مقارنة بالأعوام السابقة"، مشيرا إلى أن تكرار الاقتحامات ساهم في تخفيف دخول الزائرين للمدينة من محافظات أخرى ومن أراضي الـ48.

ويضيف: "رمضان الماضي وخلال الأيام العشرة الأخيرة منه، لم يكن بالإمكان الدخول إلى المحل من شدة إزدحامه بالمتسوقين، اليوم يمكن عدّ المتسوقين داخل المحل على أصابع اليد، أبناء شعبنا من أراضي الـ48 قلّت زيارتهم للمدينة بسبب إغلاق حاجز الجلمة بصورة متكررة، وهذا الإغلاق ساهم في تأخر وصول البضائع أيضا ما أدى لاستغلال بعض المستوردين ورفع الأسعار".

وإلى جانب الوضع الأمني الصعب الذي يخلقه الاحتلال، تساهم الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار بعض السلع في السوق في تراجع القدرة الشرائية للمواطنين في المحافظة، وعزوفهم عن الأسواق.

ويقول المواطن فراس الشافي، صاحب محل لملابس الأطفال: "بعد أن أقدم الاحتلال على اغتيال الشبان وسط شارع أبو بكر قبل شهر، تراجعت الحركة في سوق المدينة، حيث مرت الناس بأيام من الخوف والتردد للخروج للأسواق".

وكانت قوة خاصة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، قد تسللت إلى "شارع أبو بكر" وسط جنين، بعد ظهر يوم الخميس 16 آذار الماضي، وأعدمت الشبان: صالح بركات شريم (29 عاما)، ونضال أمين زيدان خازم (28 عاما)، ولؤي خليل الزغير (37)، والطفل عمر محمد عوادين (16 عاما)، كما أصيب العشرات بالرصاص، بينهم بجروح خطيرة.

وترى المواطنة لانا عبد الله أن أسعار البضائع المعروضة لا تتناسب مع دخل الناس، فالأسعار مرتفعة والدخل ضعيف، كما أنه لا يوجد خيارات متعددة في السوق تراعي ظروف الناس ودخلهم.

وتقول: "الخيارات ضيقة في السوق، نحن كمشترين نتعب كثيرا للوصول إلى طلبنا، بالإضافة إلى الوضع النفسي للناس التي لا رغبة لها في شيء هذا العام. كل ما مررنا به، يجعل فرحة العيد ناقصة ومظاهر البهجة غائبة".

ويؤكد محافظ محافظة جنين اللواء أكرم الرجوب أن سياسة حكومة الاحتلال واضحة في ترهيب الشعب الفلسطيني عامة وأهالي جنين خاصة من خلال الاقتحامات المتكررة والاغتيالات المتعددة وهو ما ينعكس سلبا على الحالتين الاجتماعية والاقتصادية في المحافظة ككل.

ويضيف: "إسرائيل تبعث رسالة ترويع للمواطن الفلسطيني قبيل عيد الفطر، فاقتحام المدينة في وقت مزدحم بالناس، يهدف إلى إخافتهم والتنغيص عليهم والتأثير على حياتهم الاجتماعية".

ويتابع: "هذا سلوك الاحتلال في التنغيص على الشعب الفلسطيني، وما تقوم به إسرائيل يساهم في التأثير سلبا على اقتصاد جنين، ويسعى لضرب الناحية الأمنية للمدينة وهو ما يبعث شعورا للزوار من خارج المدينة بأن شوارع جنين ليست آمنة".

ويؤكد الرجوب أن "المحافظة على تواصل دائم مع التجار للإطلاع على الوضع الاقتصادي وتراجع عمليات الشراء والاستهلاك"، لافتا إلى أن الوقائع التي تقوم بها إسرائيل يوميا أثرت على المزارعين والمصدّرين والتجار، إلى جانب ما رافق ذلك من حالة أمنية سيئة انعكست على حركة السوق في شهر رمضان وتحديدا في الأيام الأخيرة منه.

الواقع الذي تعيشه محافظة جنين، لا يختلف كثيرا عن واقع باقي المحافظات التي تشهد اقتحامات متكررة لجيش الاحتلال، وما يرافقها من عمليات قتل واعتقال وحواجز عسكرية واعتداءات للمستوطنين بصورة يومية.

ومنذ مطلع العام الجاري، ارتقى 98 شهيدا في الضفة الغربية وقطاع غزة، غالبيتهم من محافظتي جنين ونابلس.