تقرير: هدى حبايب 

ينتظر منزل الأسير جهاد رزق محمد قاسم، عودة صاحبه الذي طال غيابه لـ21 عاما، بعد اعتقال الاحتلال له في الرابع من تموز من عام 2002.

في إحدى حارات قرية الراس جنوب طولكرم، وعلى تلة صغيرة، تسكن عائلة الأسير جهاد في منزلها المتواضع، حيث تعيش كل يوم أمل الإفراج عن ابنها المحكوم بالسجن 28 عاما، وهي من بنت له منزله تحضيرا لعودته، ليكون ملاذه الدافئ بعد حريته.

واعتُقل الأسير جهاد بعد سلسلة من المطاردات نفذتها قوات الاحتلال له ولشقيقه الشهيد النقيب طيار نهاد الذي استُشهد بعد عام من اعتقال جهاد، تخللها اقتحامات متكررة لمنزلهم واعتقال شقيقه الأكبر نضال للضغط عليه لتسليم نفسه، إلى أن اعتقلته قوة خاصة مستعربة بعد محاصرتها إحدى العمارات السكنية في طولكرم كان متحصنا بداخلها.

49 عاما هو عمر جهاد الآن، تنقّل بين أكثر من سجن ويقبع حاليا في سجن نفحة الصحراوي.

يقول شقيقه نضال: "راودتني فكرة بناء منزل لشقيقي الأسير، وكان أملنا أن يفرج عنه في أي صفقات لتبادل الأسرى، ليكون جاهزا لزواجه وإنشاء أسرة تعوضه عن سنوات القهر والظلم داخل زنازين السجون".

وأضاف، بعد ترحيب العائلة بالفكرة، باشرنا ببناء البيت ملاصقا لمنزل العائلة عام 2015، ووضعنا نصب أعيننا أن يكون واسعا ويضم ثلاثة طوابق، له ولأولاده في المستقبل، وهو الآن قيد التشطيب النهائي وتجهيزه بالكامل، معربا عن أمله أن تتحقق حريته قريبا ويسكن منزله، ويعود لم الشمل من جديد.

وأكد نضال أنه مهما طال القيد وطالت القضبان، إلا أن الحرية ستتحقق لا محالة، وقال: "نبذل كل ما في وسعنا ليكون هذا البيت بمثابة جنة جهاد على الأرض، فمهما فعلنا نبقى مقصرين أمام ما قدمه لوطنه أولا ولنا ولشعبنا المناضل".  

ومع ازدياد سنوات الأسر، تزداد آلام عائلة جهاد قاسم، كما آلاف عائلات الأسرى، وتترك حسرة في قلوب الأمهات والآباء، فوالده توفي قبل اعتقاله بسنوات، أما والدته فتوفاها الله في آذار عام 2021، وكان لها حكاية ألم عاشتها وهي تنتظر أن تتحقق حرية نجلها كي تحتضنه لتشم فيه ذكرى ولدها الآخر الذي راح شهيدا. 

كل  صباح، كانت تأخذ مجلسها المعتاد عند مدخل بيت ابنها الأسير جهاد، لا تبارحه إلا فترة المساء، تعد ساعات الليل لحظة بلحظة، وما إن يشرق ضوء النهار حتى تعود مهرولة إلى مكان الانتظار، وتعاند جسدها الذي أنهكه المرض كي يتحمل ويصبر، ولكن قدر الله أن تتوفى قبل اللقاء.

"إن والدتي كانت تعيش حالة من الحزن الصامت وقلبها يتفطر شوقا إلى جهاد، تتابع أخبار الأسرى باستمرار علها تسمع خبراً يثلج صدرها بالإفراج عنه، وكانت رغم ذلك قوية في مواجهة ظروف الحياة الصعبة التي شعرت بآلامها عند اعتقال ولدها ليتبعها ألم فراق الشهيد نهاد"، يقول نضال.

وعن العلاقة التي كانت تربط الأم بولدها الأسير، أشار نضال إلى أنها علاقة خاصة ومميزة لا توصف بالكلمات، كان حبا كبيرا يجمعهما، أحبته كثيرا، كافحت من أجل أن يتوج هذا الحب بالحرية، التي آمنت بها وكانت على يقين بأنها حتماً ستتحقق رغم القيد وجبروت الجلاد.

ولفت إلى أن شقيقه جهاد كان دائم الاتصال بوالدته، ويطمئنها عن حاله، ويدعو لها بدوام الصحة، فقد كان حنونا للغاية، وتلقى خبر وفاتها بالصبر والدعاء.

أكمل الأسير جهاد تعليمه داخل السجن، وحصل على شهادتي البكالوريوس في الحقوق، والماجستير في القانون الجنائي، وهو يتمتع بصحة جيدة ومعنويات عالية بثباته وصموده رغم ظروف الأسر.

تعرضت أسرة جهاد، لمضايقات تتعلق بموضوع تصاريح زيارته، ومرت سنوات على المنع الأمني تحديدا بعد اعتقاله، وبعد السماح لها بالزيارة إما يتم منح التصريح فترة قصيرة، أو الرفض وعدم الرد.

ويشير نضال، إلى أنه لم ير شقيقه الأسير منذ عام 2018، بسبب إجراءات الاحتلال المقيتة، تارة بسبب الرفض الأمني، وتارة بسبب التأخير في إصدار التصاريح، وفي حال تمت الموافقة نتفاجأ بأنه تم نقل جهاد إلى سجن آخر أو عزله، وبالتالي يمر يوم كامل بصعوبته ومعاناته دون رؤيته، والعودة إلى المنزل وقد أنهكنا التعب والألم والحسرة.

والأسير جهاد هو واحد من بين 400 أسير معتقل منذ أكثر من 20 عاما، علاوة على وجود (554) معتقلا يقضون عقوبة بالسجن مدى الحياة، أطولها عقوبة يقضيها المعتقل عبد الله البرغوثي المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة.

المصدر: وكالة أنبا وفا