سأبدأ مقالتي ببعض الأسئلة الاستنكارية لإعمال العقل السياسي عند كل ذي بصيرة. هل فاجأتنا دولة إسرائيل الاستعمارية بجرائم حربها؟ هل أقنعت دولة المشروع الصهيوني يومًا فلسطينيًا أو عربيًا أو أمميًا مؤمنًا بالسلام والعدالة، بأنها معنية بأي خطة أو مشروع سلام مهما كان اسمه وعنوانه وتفاصيله؟ وهل تقبل واقعيًا الشراكة مع الفلسطينيين كند لبناء جسور السلام، أم تريدهم عبيدًا ومأجورين وخدما عندها، وعند أسيادها في دول الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة؟ وهل زيارات ولقاءات جنرالاتها ووزرائها وقادتها من مختلف المستويات مع القيادات الفلسطينية والعربية تحمل أية دلالة سياسية أو قانونية لفتح، مجرد فتح أفق للسلام، أم يعملون للتسويف والمماطلة والضحك على الذقون، وتقديم المسكنات والإبر المخدرة لاستكمال المشروع الكولونيالي على كل الأرض الفلسطينية، وإقامة دولة "إسرائيل الكاملة" وفقًا لشعار الحركة الصهيونية الأساس "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، والذي تمت المصادقة عليه عبر قانون "أساس الدولة اليهودية" في تموز / يوليو 2018، وإطلاق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب صفقة القرن، التي بدأ تنفيذها في السادس من كانون الأول/ ديسمبر 2017 عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما تلا ذلك من انتهاكات لتكريس عناوين تلك الصفقة المشؤومة، والإعلان الرسمي عنها في نهاية كانون الثاني / يناير 2020 وما زالت إدارة الرئيس جو بايدن تطبق على الأرض عناوين تلك الصفقة.

واستمرارًا لتلك السياسة والمخططات الإجرامية، ومع حلول الذكرى المئوية لصك الانتداب على فلسطين فجر أمس الأحد الموافق 24 تموز / يوليو الحالي قامت قوات خاصة كبيرة من الجيش الإسرائيلي باقتحام مدينة جبل النار، نابلس وإطلاق الصواريخ والقنابل على المواطنين الآمنين في بيوتهم في حي الياسمينة في البلدة القديمة فجرًا ما أدى إلى استشهاد الشابين محمد بشار العزيزي (25 عامًا) وعبد الرحمن جمال صبح (28 عامًا) وإصابة عشرة آخرين، بينها إصابات خطيرة. وهي المرة الأولى منذ عقدين تقريبا التي تستخدم فيها تلك العصابات الصهيونية الإجرامية الصواريخ التي أحدثت دمارًا وتخريبًا واسعًا في بيوت الحي، وأصابت الأطفال والنساء والشيوخ بحالات الخوف والهلع.

لم تكن عملية الاقتحام الإجرامية الإسرائيلية لمدينة نابلس والحي القديم سهلة، ولا عابرة، إنما استغرقت عملياتها الوحشية وقتًا طويلاً، رغم أن قواتها الخاصة وصلت للمربع المستهدف في حي الياسمينة خلسة، وعبر عملية تمويه، ثم دفعت بقوات عصاباتها وآلياتها العسكرية بعد فشل تحقيق أهدافها في القضاء على المجموعة المستهدفة، نتيجة انكشافها، وافتضاح أمرها، الأمر الذي استدعى مواصلة المعركة لثلاث ساعات ونصف الساعة. ونتيجة فشلها في تحقيق هدفها في عملية خاطفة وسريعة، وسقوط خسائر في صفوفها، دفعها لاستخدام الصواريخ لقصف البيت المراد والبيوت المجاورة له.

وادعاء الجيش الإسرائيلي القاتل، أن قواته نفذت جريمة حربها دون خسائر، هو ادعاء كاذب، ولا يمت للحقيقة بصلة. ولو كان الأمر كذلك، كان يفترض أن تحقق تلك القوة المقتحمة للبلدة القديمة هدفها بسرعة وتنسحب. لكنها وقعت في شر أعمالها، حيث تصدى شباب الحي لتلك القوة، وقاوموها بما امتلكوا من الأسلحة المتواضعة والبسيطة، ومنعوهم من الاقتراب طيلة زمن العملية الإجرامية، ولم تحقق كل أهدافها. وإن كانت أدت عمليتها لاستشهاد الشابين محمد وعبود.

وتعقيبًا على العملية الإجرامية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، يئير لبيد صباح أمس الأحد، أثناء انعقاد جلسة حكومة الموت، أن حكومته "لن تقف مكتوفة الأيدي، ولن تنتظر إصابة وتعرض الإسرائيليين للأذى، بل ستبادر وتؤذي الإرهابيين في منازلهم." وزعم الصهيوني المجرم لبيد، أن هؤلاء هم "الأرهابيون" الذين نفذوا سلسلة عمليات إطلاق نار". ورفض الإقرار بالحقيقة الساطعة، والاعتراف بأن عصابات جيشه المجرم، ومؤسساته الأمنية وقطعان المستعمرين وكل منظومته السياسية والقانونية والعسكرية والدينية والتربوية الثقافية تقوم عن سابق تصميم وإصرار على مواصلة جرائم الحرب اليومية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في مختلف أرجاء الوطن الفلسطيني لتأبيد استعمارها الاستيطاني الإحلالي والإجلائي على أنقاض مصالح وحقوق الشعب صاحب الأرض والتاريخ والجغرافيا وصولا لهدف التطهير العرقي، ولتصفية عملية السلام جملة وتفصيلا.

ومن أهم دروس عملية صك الانتداب في ذكراها المئة الإجرامية، أن الدولة الإسرائيلية المارقة والخارجة على القانون أرادت إشعال الأرض الفلسطينية، وانتهاج سياسة الأرض المحروقة لقطع الطريق على أي بارقة أمل لفتح قوس الانفراج أمام عربة السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان عودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194، والمساواة لأبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة. الأمر الذي يتطلب من أقطاب العالم والأمم المتحدة العمل بسرعة لتأمين الحماية الدولية لأبناء الشعب العربي الفلسطيني، وفرض العقوبات على الدولة الاستعمارية والمعادية للسلام، وإلزامها بدفع استحقاقات التسوية السياسية الممكنة والمقبولة، والتي لا تريد معجزات السيد المسيح عليه السلام، ولا تتطلب أكثر من ارتقاء الإرادة الدولية لتحقيق وترجمة قرارات الشرعية الدولية وفق الفصل السابع لمجلس الأمن الدولي، التي تجاوز عددها الـ800 قرار من عام 1947 وحتى اليوم، والعمل على إلغاء صك الانتداب، والاعتذار للشعب العربي الفلسطيني عن كل النكبات التي تعرض لها عبر ما يزيد على 150 عاما الماضية منذ إقامة أول مستعمرة في فلسطين في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، والسابقة على مؤتمر بازل بسويسرا 1897.

وعلى الشعب الفلسطيني تصعيد المقاومة الشعبية، وترتيب شؤون البيت الفلسطيني، وتعزيز الشراكة السياسية، والارتقاء بمكانة منظمة التحرير، وتفعيل مؤسساتها المختلفة، وطي صفحة الانقلاب الأسود للرد على جرائم إسرائيل، وملاحقة قادة دولة الأبرتهايد في المحكمة الجنائية الدولية ومنابر الأمم المتحدة المختلفة وخاصة في مجلس الأمن، رغم وجود الفيتو الأميركي والبريطاني، والعمل على تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي. لأنه لم يعد على العين الفلسطينية قذى.

 

المصدر: الحياة الجديدة