دافع طاقم فيلم "أميرة" عنه بأنه خيال. انتظرت قبل الكتابة عنه للإصغاء للمختصين، فقد حصد الفيلم جوائز وترحيبًا واسعًا عند عرضه الأول في مهرجان البندقية للأفلام في أيلول الماضي، وتباهى مخرج الفيلم وأبطاله ومنتجوه بهذا النجاح، لينطبق عليهم بعد العرض الأول له في الأردن القول "ماذا ينفعك لو كسبت العالم كله.. وخسرت نفسك!؟".
ونفسك هنا تعني نحن العرب، خاصة الفلسطينيين والأردنيين الذين تعني لهم قضية الأسرى في سجون الاحتلال القداسة بمعناها الشامل، التضحية بكل شيء من أجل الحرية، حرية شعبهم ووطنهم، وتعني مقاومتهم في أسْرهم بكل الأساليب المتاحة وممكنة الفخر وشحذ الهمم والأمل، فالتعليم والإضراب عن الطعام وخطط الهروب والصبر ومواجهة السجان اليومية، كلها أساليب مقاومة مستمرة، أضاف لها الأسرى معركة من نوع آخر: تهريب النطف للإنجاب، بالتخطيط المحكم والدقيق الذي شرحته عبير الخطيب، طالبة القانون في الكلية العصرية الجامعية، في بحث علمي استغرقها عامًا ونصف العام، تناول جوانب العملية كافة، وحاز على جائزة أفضل بحث علمي على مستوى العالم العربي عام 2019 كما كتبت على موقعها. 
تهريب النطف عملية معقدة، قهر بها الأسرى الاحتلال، الذي فشل في منع إنجاب أكثر من مئة فلسطيني وفلسطينية- حتى الآن- تشربوا روح آبائهم الأسرى وأمهاتهم الصابرات المناضلات، يحتضنهم المجتمع الفلسطيني، ويرى فيهم منارات على طريق التحرير.
لم أشاهد الفيلم، لكني أثق برأي المختصين، وفي مقدمتهم أيقونة الدراما العربية جولييت عواد، والناقد السينمائي المتابع والمتخصص يوسف الشايب، وطبعاً مواقف جميع المعنيين بالسينما والفن والثقافة، وجميعهم مدافعون دائمون عن حرية الرأي والتعبير والإبداع، الذين وجدوا في هذا الفيلم تجاوزا وإهانة ليس للأسرى وزوجاتهم فحسب، وإنما إساءة للكل الفلسطيني.
الدفاع عن الفيلم بأنه خيال دفاع قاصر، فأيُّ خيالٍ ينبع من واقع موجود، يسعى صاحبه لتغييره سلباً أو إيجابًا، ويعبر عنه بما هو متاح له، كتابة أو فنا، فماذا تمنى أو أراد كتاب سيناريو فيلم أميرة، الذين يعرفون واقع النضال الفلسطيني، ويعرفون تمامًا حساسية قضايا الأسرى الذين خلقوا واقعًا من خيال يعجز الاحتلال عن تصوّر تحوله إلى واقع، خيال الأسرى تحوّل إلى واقع، إنه إبداع، انطلق من إرادة البحث عن الحياة، فأين خيال كتاب سيناريو فيلم أميرة، وماذا أرادوا أو تمنوا، وكيف حولوا خيالهم إلى فيلم لا يؤدي إلا إلى تشويه الواقع، الحقيقة الجميلة التي أنتجها أسرى الحرية.
إنه خيال البحث عن المال والشهرة، إنه الفيروس اللعين الذي ينتج خيالاً مريضًا: تصفيق وترحيب وجوائز وشهرة ومال، والخيال الموبوء بهذا الفيروس يصطدم بالواقع، الرفض المطلق من نقيضه، الواقع والحقيقة المؤكدة، ومن أصحاب الخيال الجميل المبدع الذين عاشوا أجمل لحظات نقله إلى الحياة الجميلة المتخيّلة.
سقط الخيال الموبوء لكل المشاركين في فيلم أميرة، فاضطروا إلى سحبه من التداول، وكما أعلنت هيئة الأفلام الأردنية عن سحبه من التنافس على جائزة الأوسكار، ويظل دفاع محمد دياب، المخرج وأحد كتاب السناريو، قاصرًا يتضمن اعترافًا بالإصابة بفيروس البحث عن المال والشهرة.

المصدر: الحياة الجديدة