المثقفون المناضلون يصبحون أبطالاً عندما ينتصرون للفكرة، فهي أعظم من أي جينات بشرية آدمية لتوثيق صلة الإنسان مع أخيه الإنسان، فكيف إذا كان مسماها فلسطين. 
أردت في هذا المقام إجزال الوفاء للأخ حسن البطل الذي ارتقت روحه إلى سماء فلسطين، بعدما كانت على الأرض أكبر وأوسع وأعظم من كل حدود الأسلاك الشائكة المغتصبة للجغرافيا، ومن زمن حدود سايكس بيكو الاستعمارية، حتى حدود الانفصال والانغلاق في أذهان الجماعات الإخوانية الإسلاموية. 
فبعد حوالي 45 يومًا على انقلاب حماس على المشروع الوطني ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية، وكل القيم والأخلاقيات الإنسانية الفلسطينية، وبعد حملة من التهديدات وصلت إلى حد التهديد بالقتل، وبعد هجوم عنفي بدني طالني من طالب جامعي – عضو في جماعة حماس - في وسط ميدان الجندي المجهول أثناء فعالية لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، وبعدما قال لي:" شو جابك عفلسطين.. روح إلى بلدك سوريا " !!! كتبت مقالاً بعنوان "سأهاجر " في زاويتي اليومية سؤال عالماشي في هذه الصحيفة، فجاء الرد سريعاً من الفلسطيني الإنسان البطل ( حسن ) فكتب في عموده اليومي في جريدة الأيام ( أطراف النهار ) بتاريخ 1-9-2007 تحت هذا العنوان: يا موفق: أنت الفلسطيني وأنا السوري هذا المقال الذي أنشره، ونحن على يقين أننا مهما كتبنا فلن ننصف هذا المثقف المناضل، الكنز بكل ما تعني هذه الكلمة. 
إن حروف وكلمات حسن البطل في هذا المقال هي خير انعكاس لما له من مكانة في ضميري ووجداني، لأني على يقين أنه كتب بحبر قلبه المشع حبا وإنسانية ووطنية وهاكم الدليل: 
كتب البطل الحسن حسن البطل:" لنذهب مع الشاعر إلى تفاصيل البلاد، فلنعرف كيف صارت فلسطين، بفعل إسرائيل، غير جاذبة. ولنذهب إلى تفاصيل بعض ناس البلاد، فلنعرف كيف صارت فلسطين بفضل "حماس" غير جذابة! 
.. أو لنذهب إلى الجذر السامي للغات السامية، حيث لعب سلاميون إسرائيليون على إيقاع (عربي - عبري)، فإلى الجذع اللغوي العربي المكين.. ولنلعب على مفردتي: سوري - فلسطيني، وفلسطيني - سوري. 
السوري - الفلسطيني هو زميلي في الإعلام، مواطني، وأخي في الحركة موفق مطر.. والفلسطيني - السوري هو أنا. حليب شعب سورية في عظامي. 
.. أو لنذهب إلى ذاكرة مشتركة. فلو سألني موفق مطر تفاصيل حموية حميمة لأجبته إجابة صحيحة، ولو سألته تفاصيل غزية.. لأجابني إجابة صحيحة. 
.. أو لنذهب، موفق مطر وحسن البطل، إلى جوهر الدولة الديمقراطية العادلة، وجوهر الدولة العنصرية الباغية. ليس صحيحاً يا موفق مطر أن أميركا وإسرائيل تشتركان في جذور وجذوع وفروع مشتركة، لكونهما دولتين أقامهما رواد (بيونرز) مقامرون - أفاقون، منبوذون من مجتمعاتهم. لماذا؟ 
الدولة الحقيقية يختارها رعاياها (الولايات المتحدة)، والدولة المزعومة تختار رعاياها (إسرائيل).. فكيف قلبت غزة، أو بعض ناس غزة، أو بعض الانقلابيين الموتورين في غزة، ظهر المجن للحموي العربي السوري المسلم السني موفق مطر.. حتى صرخ (الحياة الجديدة 29 آب) قائلاً: سأهاجر، وكيف توسل إلى قاتله الجاهل الوشيك (الحياة الجديدة 30 آب) أن يرمي جثته في المياه الدولية.. عسى أن يكون قبره جوف حوت (قصة يونس؟). 
موفق مطر حموي تماماً، حتى أن ملامح محياه وشعر رأسه صورة عن المشمش الحموي، لكن قلبه فلسطيني أكثر من معظم الفلسطينيين بالولادة، أو الهوية.. أو لوثة الحمى. 

تلامذته العاقون، الذين علمهم في الجامعة الإسلامية مبادئ التصوير، شتموه، حرضوا عليه.. حتى أبكوه في ساحة الجندي المجهول في غزة؟ لماذا؟ لأن لا شأن له في الشأن الفلسطيني؟ لأنه محكوم بالإعدام من النظام السوري (الذي يدلع حماة الانقلابيين على الرحب والسعة)، لأنه اختار فلسطين موطناً، على خطى جده المناضل مصطفى الحموي العروبي، وأبيه محمد زكي مطر، المقاتل القسامي الأصلي في سفوح الكرمل وحيفا (قبل أن أولد على سفوح الكرمل)، ورحم الفلسطينية بدوية.. أو لأنه، وحده، أقام أياماً بلياليها في خيمة اعتصام احتجاجاً على بلطجة خطف صديقه الصحافي آلان جونستون، أو لأن عرفات حقق له أمنية برقم وجواز سفر فلسطيني؟ 
ماذا دهانا؟ حتى صار الأجانب الذين اختارونا ودربنا وبلادنا ورجالنا ونساءنا ينفضون من حولنا (هجرة الزوجات الروسيات والرومانيات من غزة) بعدما كان خيرة مناضلي العالم يأتون إلى خنادقنا. الفلسطيني الجميل جعل الفكرة جميلة.. والفلسطيني البشع جعل واقعنا بشعاً. 
.. كلا يا أخي موفق. لا تهاجر. تعال إلى رام الله. بيتي بيتك.. ولأردّ دين شعب سورية عليّ طيلة ربع قرن. لا تلق بالاً لهؤلاء المرضى الذين يحاربون الوطنية الفلسطينية بدين الإسلام، ويحاربون الأخوة العربية بحمأة الشوفينية الفلسطينية. إذا شتموك على الإنترنت فقد اوسعوني شتماً". 
فلترقد روحك يا أخي في فضاء الحرية الأبدي.، ولفلسطين التي عشقتها المجد.. فمن هنا تبدأ معالم الجنة يا معلمي. 

المصدر: الحياة الجديدة