هذه الوحشية والبربرية الإسرائيلية خلال عام، والتي تتجسد منذ أكثر من سبعة وعشرين يومًا في مخيم جباليا، هي امتداد لعقود من القمع والقسوة الإسرائيلية، وخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتى وإن تفاخر به بغطرسته المعهودة فإنه خطير، وهو خطاب إيديولوجي عقائدي إجرامي كامن ليس لدى نتنياهو فقط، إنما في عقل وتركيبة الإسرائيليين تاريخياً.

وإن ما حدث ويحدث في قطاع غزة ولبنان، فعل إجرامي ممتد خلال العقود الماضية. هناك الكثير مما تم كتابته ويمكن تفسيره بشكل أعمق وأوسع في الوقت الحالي ومستقبلاً الذي تتبنى فيه إسرائيل وتمارسه ليس خطاباً دعائيًا مخيفاً، بل سلوكاً إجرامياً حول ما يسمى "نظام جديد" في الشرق الأوسط تخطط له إسرائيل وتطمح في تطبيقه، في ظل حالة عربية من التردي والانكسارات الماضية والحاضرة.

يعتقد العالم أن الحرب في غزة تراجعت وتيرتها، لكن الحقيقة عكس ذلك جباليا شاهدة على الإبادة وخطط الحصار والتهجير والتجويع، فالقتل لم يتوقف ومستمر يوميًا يقتل المئات من الأطفال والنساء، جراء هجمات الجيش الإسرائيلي المستمرة في أنحاء القطاع.
ولا يجد الناس عزاء لهم، وكل أمنياتهم وقف القتل، وإن حياتهم في قطاع غزة مسألة حياة أو موت، فإنهم يعيشون في القطاع مشاعر حرب الإبادة المستمرة، الخوف والقلق والانتظار.
القصف والقتل والنزوح والتهجير القسري ومراكز الإيواء، والدمار والخراب، وأكثر من عام على النزوح والجوع، وعشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، وكأنه المصبر المشترك في الظلم والدم مع لبنان الشقيق، فإن ما يجري على البلدين من عدوان، هو تعبير حقيقي عن ارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين واستسهال الدم الفلسطيني واللبناني.

المفهوم الذي يجب أن ندركه وعلى علم به هذه الفترة هو هيمنة وفجور القوة وغطرسة إسرائيل والتصعيد وخلق الشروخ وتعميقها في لبنان، إسرائيل تحاول تطبيق هذا المفهوم في عدوانها على لبنان كما هو الحال في غزة، وهي ستصعد، أكثر وبشكل حاد، كما هو الحال مع طلقة الصافرات المزدوجة، أو القضاء على الفصائل الفلسطينية.

‏إسرائيل تمارس الخداع والكذب من أجل قتل المدنيين وارتكاب جرائم حرب في أكثر من مليوني نازح لبناني. وأن الغالبية العظمى من ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية، هم من العزّل الآمنين في منازلهم.
وإسرائيل مستمرة في ترويج كذبتها وارتكاب جرائمها، ونتنياهو الذي بعيش حالة من الثمالة يحاول جبي أثمان أكبر من لبنان.

إسرائيل مغرمة في حب تنفيذ المجازر، وأهداف الحرب باتت واضحة، ولا مجال لتجاهلها أو الالتفاف عليها، وهي تطمح إلى إعادة ترتيب المنطقة وفق المصالح الإسرائيلية والأميركية المعلنة وغير المعلنة، ولا يوجد خلاف بين أميركا وإسرائيل حول أهداف الحرب، إنما الخلاف حول حدود الفترة الزمنية ونطاقها.

وبالعودة إلى غزة التي يشعر سكانها بالقلق من أن يتم دفعهم إلى هامش الوعي العالمي بشكل أكبر، على الرغم من استمرار ارتفاع أعداد الشهداء في القطاع، وإدخال كميات محدودة من المساعدات الإنسانية، والوضع يتدهور أكثر، وتكرار حالات النزوح منذ بداية الحرب.

‏فإن إسرائيل تطمح وتخطط إلى التحول إلى قوة عظمى تفرض سيطرتها على الشرق الأوسط كما تسميه، وهي تعتقد أن الفرصة مواتية بخلق البيئة ضمن الظروف القائمة في المنطقة، وهذا ما يحاول نتنياهو إعادة تطبيقه، وهو الآن يعمل على ذلك ووضع اسمه في موازاة هرتسل وبن غريون كمؤسسين لدولة إسرائيل.

ترتيب جديد أو شرق أوسط جديد هدف تطمح إسرائيل لتطبيقه بالدم والوحشية والتهجير القسري، والأسئلة كيف يمكن إفشاله أو مواجهته؟

وهذا الظلام والغضب والقهر والحزن الذي نشعر به ونعيشه، يدفعنا لإعادة النظر في حالنا وأحوالنا وعدم الخوف من النقد لما وصلنا إليه وحالة الخوف والجمود وعدم فتح نقاش وطني عام ونقد التجربة بشرط ألا تتلبسنا الرغبوية وهي سمة تسيطر على توجهاتنا وتحليلنا للسياسة وللأشياء المختلف عليها.