يدخل السباق الرئاسي بين مرشحي الحزبين الديموقراطي- كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، الانعطاف الأخير نحو صندوق الانتخابات المقررة يوم الثلاثاء في الخامس من نوفمبر 2024، للفوز بمفاتيح البيت الأبيض في نسخته الستين، وسط حالة من الاستقطاب الحزبي الشديد والتنابز بالألقاب، يدلل عليها الحضور المكثف لمصطلحات ليس لها علاقة بالمنافسة الانتخابية النزيهة تتردد على ألسنة كلا المرشحين. تتراوح بين عبارات "مهووس" و"فاشي" و"قمامة في الشوارع"، بدلاً من تثقيف الناخب الأميركي على الأجندة الانتخابية الداخلية والخارجية لمنحه مساحة أوسع للتفضيل بين أجندة المرشحين في صندوق الانتخاب.

بين لا ونعم، تظهر استطلاعات الرأي التي تضغط على عصب العين للناخبين، تناقضًا كبيرًا في نتائجها صعودًا ونزولاً تبعًا لتلاعب الجهة المنظمة، تنبؤنا أحيانًا بتقدم ترامب بنقطتين أو أكثر على المستوى الوطني، تتبعها أخرى تؤكد تقدم هاريس أكثر من أربعة نقاط. ومع ذلك، فإن الانتخابات القائمة أكثر من مجرد تنافس ترامب وهاريس. فهناك مجموعة كبيرة من سباقات الاقتراع تجري في جميع أنحاء الولايات الأميركية، من بينها تحديد الأغلبية على الكونغرس بغرفتيه (النواب، ستخضع جميع المقاعد وعددها 435 للانتخاب، يحتفظ الجمهوريون بـــ 220 مقابل 212 للديموقراطيين. وسيخضع 33 مقعداً في مجلس الشيوخ للقلب من أصل 100 مقعد، يسيطر عليه الديموقراطيون والمستقلون بفارق ضئيل 51 مقابل 49 للجمهوريين)، وهنا يكمن تركيز اللوبي الإسرائيلي للسيطرة على صنع القرار للرئيس الأميركي القادم.

بينما تظهر الخارطة الانتخابية في الولايات المتحدة شبه انقسام في التأييد لحزب دون الآخر- الأحمر مقابل الأزرق، وهي ولايات شبه ثابتة في توجهاتها الانتخابية منذ عقود، يتجه تركيز المتنافسين على سبعة ولايات قادرة على حسم السباق تسمى "الولايات المتأرجحة" أو "ولايات حسم المعركة الانتخابية" والتي تحتفظ بــ 93 مقعدًا للمندوبين في المجمع الانتخابي من أصل 538، وهي ولايات الجدار الأزرق وتضم (بنسلفانيا، ويسكنسن وميشيغان)، بالإضافة إلى ولايات حزام الشمس الجنوبي وتضم كل من (جورجيا، أريزونا ونورث كارولاينا) مضافاً إليها ولاية نيفادا. ومع ذلك من الممكن أن يفوز المرشح الرئاسي بأكبر عدد من الأصوات على المستوى الوطني للولايات المتحدة – كما حصلت هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016 – لكن لا يعني ذلك بالضرورة أن يتم إعلان اسم المرشح الفائز، فما زال أمامه مهمة حاسمة تتمثل في منحه الأصوات اللازمة للفوز من قبل أعضاء المجمع الانتخابي 270+ من أصل 538 مندوباً.

مع الاقتراب المستمر نحو صناديق الخامس من نوفمبر، لا نحتاج إلى عدسات تكبير لتفحص مواقف كلا المرشحين من العدوان القائم على فلسطين ولبنان، ولا حاجة لوسائل إعلام لتكون بمثابة أحزمة ناقلة للتصريحات، فالأفعال سبقت الأقوال لكلا المرشحين منذ سنوات، ومن الصعب العثور على فروق جوهرية تشير إلى وجود نية لدى كلا المرشحين بوقف العدوان أو إخضاع العلاقة المميزة بين إسرائيل وأميركا للتدقيق، ويستمر كلا المرشحين بتجاهل مطالب القاعدة الجماهيرية من العرب والمسلمين وأنصار الحق الفلسطيني وحتى أعضاء الكونغرس، التي تنادي بضرورة وقف العدوان القائم فوراً وإجراء مراجعة شاملة لنوعية العلاقة القائمة بين بلادهم وإسرائيل.

من ناحية، تظهر المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس إنفصاماً في المواقف والاعلانات الانتخابية وتضبط عقارب ساعتها مع توقيت إسرائيل، عندما تستحضر الحجة المُلتوية القائلة "بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها" إلى جانب "إتهام أنصار الحق الفلسطيني والطلاب المتظاهرون داخل الحرم الجامعي بمعاداة السامية" وتعهداتها المستمرة بصفتها نائباً للرئيس بايدن بمواصلة تقديم كل أشكال الدعم لإسرائيل. وبين مطالبها بوقف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية للمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة الذين أنهكهم العدوان المستمر منذ أكثر من عام بفعل دعم إدارتها منقطع النظير لإسرائيل.

من ناحية أخرى، لا يبتعد المرشح ترامب كثيراً عن مسارات منافسته هاريس الملتصقة بخطوط إسرائيل، في محاولة لخطف جيوب وأصوات الجالية اليهودية-الأميركية، والاستحواذ على مباركة اللوبي الإسرائيلي وجماعات الضغط، ويستنسخ مواقفه المستوحاة من صفقة القرن المنحازة بالكامل لإسرائيل، ويتباهى بدعمه لتحالف نتنياهو "إفعل ما عليك فعله للدفاع عن نفسك"، في إشارة واضحة تؤكد استمرار دعم هجمات إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، واستمرار سياسة تدمير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

وفي هذا السياق، يحاول ترامب سد الهفوات التي تقع فيها هاريس بالعمل على تضليل الناخبين بمواقف متناقضة بشأن العدوان على قطاع غزة ولبنان. من ناحية، يصور نفسه على أنه صديق لا مثيل له لإسرائيل أمام الجماهير اليهودية، بينما يناشد ممثلي الجالية العربية والمسلمة بالقول إنه يدعم السلام وسيصلح الفوضى التي أحدثتها سياسات إدارة بايدن -هاريس في الشرق الأوسط.

في واشنطن الحقائق تظهر قبل إعلان اسم الفائز في انتخابات الرئاسة 2024، سواء هاريس أو ترامب، فالشيء الثابت في السياسة الخارجية لواشنطن هو استمرار دعم إسرائيل وضمان تفوقها النوعي على مجموع دول المنطقة، إلى جانب إجهاض أي مبادرات لتجسيد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض الفلسطينية، وهي سياسة ثابته تنتهجها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عهد ترومان حتى ساكن البيت الأبيض الجديد.

في رقعة ملحوظة بشكل خاص من الأرضية المشتركة بينهما، يستمر دعم كلا المرشحين هاريس وترامب لعدوانٍ إسرائيل متعدد الجبهات، وكلاهما يسعى إلى توسيع صفقات التطبيع بمقابل "تنازل" صفري. ولا أحد منهم معجب بعبارة حل الدولتين لإنهاء الصراع، ويرسل كلاهما إشارات واضحة نحو ضرورة إعادة هيكلة الشرق الأوسط من جديد دون حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً.