من يفكر أو يعتقد بإمكانية تضييق مساحة فلسطين في وجدان وضمير وقلب الإنسان العربي، ويضغط على التاريخ والجغرافيا والثقافة العربية، بما أوتي من قوة منحته إياها منظومة الاحتلال العنصري والتطهير والاستيطان بغرض انتزاع القلب فلسطين، من جسد الوطن العربي، أو يظن أن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وحركة تحرره ودولته الوطنية الإنسانية، فليس عليه إلا التوقف قليلاً ومشاهدة صور زيارات سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن للشقيقة الجمهورية الجزائرية والجمهورية التونسية، لعله يرى حقيقة ومكانة فلسطين الأبدية لدى الأشقاء العرب، وكيف أن فلسطين كانت وما زالت مكونًا أساسيًا ورئيسًا لثقافتهم الوطنية والقومية، وثوابت منهجهم السياسي. احتفى الأشقاء في الجمهورية الجزائرية برئيس الشعب الفلسطيني قائدًا لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، العضو في الخلية الأولى لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح التي استقبلت الجزائر المستقلة حديثا حينها مناضليها على أرضها حتى قبل انطلاقة الثورة الفلسطينية وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، كما تشهد الوثائق التاريخية على ذلك، وأكدها سيادة الرئيس أبو مازن في مؤتمره الصحفي مع الرئيس عبد المجيد تبون . واحتفى الأشقاء في الجمهورية التونسية برئيس الشعب الفلسطيني الذي عمل بصمت وصبر وحكمة وعقلانية وهو على أرض تونس الشقيقة الخضراء على رسم خريطة دروب العودة إلى فلسطين، ودفع عجلات تجسيد القرار الوطني المستقل، بقيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين، التي خطت ملامحها الرئيسة في عاصمة الجزائر، وظهرت جلية واضحة في إعلان وثيقة الاستقلال عن المجلس الوطني الدورة التاسعة عشرة في الخامس عشر من شهر نوفمبر من العام 1988، وكان قدر فلسطين أن تكون نقاط التحول التاريخية في مسار نضال وكفاح شعبها مرتبطة بالجزائر وتونس في مغرب الوطن العربي، كما ارتبطت بأقطار عربية في مشرقه، فمن الجزائر كان إعلان وثيقة الاستقلال، ومن تونس انطلقت القيادة الفلسطينية في مقدمة طلائع العودة إلى الوطن فلسطين . قبل استقلال الجزائر وبعده لسنوات كنا ننشد في الصباح في ميدان المدرسة الابتدائية نشيد الثورة الجزائرية : قسمًا بالنازلات الماحقات ....و الدماء الزاكيات الطاهرات \ والبنود اللامعات الخافقات.....في الجبال الشامخات الشاهقات \ نحن ثرنا فحياة أو ممات....وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا. .. واستمررنا ننشده إلى جانب نشيد عائدون في مدارس وكالة غوث اللاجئين ( الأونروا ) حتى بعد انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" (الثورة الفلسطينية) المعاصرة في مرحلتها السرية، إلى جانب نشيد باسم الله ..باسم الفتح باسم الثورة الشعبية، حتى استقر الحال على النشيد الوطني الفلسطيني ( فدائي ) . ما زلنا نستشهد على إرادتنا في الكفاح والنضال ببيت شعر من النشيد الوطني التونسي للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي: إذا الشعب يومًا أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر / ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر .أما الأناشيد والأغاني التي كتبها ولحنها أشقاء عرب من أجل فلسطين، فينشدها ويغنيها الأطفال في روضات تونسية، ويحتفل التونسيون بيوم الأرض الفلسطينية كما نحتفل به وينظمون ندوات ثقافية عديدة ومهرجانات جماهيرية على كل أرض الجمهورية التونسية. نعتقد أن زيارة سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن للجزائر وتونس الشقيقتين، والترحيب الذي حظي به رئيس الشعب الفلسطيني، قد رفعت درجة حرارة الأخوة العربية، ومنسوب الوعي بالمصير المشترك، وأعادت وضع الخطوط الحمراء تحت مسمى ( عدو الشعب العربي المشترك ) ورسمت ألف علامة خطر حول قدرة منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري إسرائيل باختراق أمن دول عربية بالتطبيع واتفاقيات أمنية، أو تهديد دول وطنية وجمهوريات عربية، ومحاولة أخذ الدولة الوطنية الإنسانية الديمقراطية التقدمية إلى مصير مجهول، فنحن والأشقاء العرب في الجزائر وتونس قد لدغنا من ذات الجحر، وكادت صورة بلادنا الحضارية تتبدد، حتى أن هؤلاء قد اشتغلوا على تقزيمها ومحوها من خريطة العالم، لصالح مشروع استعماري جديد، صمدت فلسطين وكسرت حملته- رغم واقع الاحتلال العنصري الإسرائيلي ، ومنعت تمريره على أرض فلسطين، مشروع لو نجح ومر هنا، لانتشر كالوباء في أقطار المشرق والمغرب العربي. يبدو أننا في مرحلة انطلاقة جديدة للوعي الوطني المتلازم مع القومي، حافظت عليه فلسطين، وقدم نموذجه السيد الرئيس أبو مازن برسالة عالية الحس والصدق والإخلاص في أحسن شكل ومضمون.
المصدر: الحياة الجديدة
موفّق مطر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها