يأسرك بعض الأشخاص بسماتهم وملامحهم المتميزة، بغض النظر إن كنت قريبًا منهم، أو بعيدًا عنهم، لأنهم تمكنوا من فرض حضورهم في المشهد المعرفي الإعلامي والثقافي وبطبيعة الحال السياسي بِشكل مباشر أو غير مباشر. واستطاعوا انتزاع ثقة الآخر بهم بعيدًا عن درجة التوافق من عدمه، وفرضوا مكانتهم الإبداعية في حقل إنتاجهم المعرفي، ليس في وسطهم المحلي الاجتماعي، وإنما تجاوزوا الحدود الجغرافية للوطن، وباتوا عنوانًا في حقلهم وقيمة معرفية في وسطهم. 
حسن البطل، ابن طيرة حيفا، الذي رأى النور في 14 تموز/ يوليو 1944 على بعد كيلو مترات من عروس البحر الأبيض المتوسط، مدينة حيفا، وعانى منذ نعومة اظفاره من شظف العيش نتاج اضطرار عائلته للرحيل عن مسقط رأسها بسبب النكبة في العام 1948 إلى دمشق العاصمة السورية، التي تغولت فيها العصابات الصهيونية بسلسلة طويلة من المجازر والمذابح المروعة والوحشية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في سياق حملة التطهير العرقي وبهدف السيطرة على الأرض الفلسطينية لإقامة دولة المشروع الصهيوني، ذاك الطفل الحسن لم تفتّ في عضده النكبة، فكان أحد أولئك المتميزين، الذين أبدعوا في حقل الكلمة السياسية والثقافية والمعرفية عموما. رغم أنه درس الجغرافيا الجيولوجية في جامعة دمشق، وحصل على الماجستير في تخصصه. لكنه اتجه للبحث في جيولوجيا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي جغرافيا الإعلام العربي، وأبحر عميقًا في استشراف الزلازل السياسية. 
وأغنت خبرته ومهارته ومهنيته تجربته الإعلامية، التي بدأها محررا يوميا في إذاعة فلسطين في بغداد، عاصمة العراق الشقيق، وتمرس فن الكتابة، وصهر الكلمة المعبرة، والحاملة لرسالته في كتابته التعليق اليومي ما بين 1972 و1994، ومن خلال احتلاله موقعه في هيئة تحرير مجلة "فلسطين الثورة" في بيروت، عاصمة الثقافة العربية، التي احتل مقاله الأسبوعي فيها مكانًا خاصًا في أوساط كتاب الرأي وفي غيرها من المجلات الإعلامية السياسية الفلسطينية، وتعزز دور قلمه في مقالته اليومية في جريدة "فلسطين الثورة" بِعنوان "في العدو" إلى أن غادر مع قوات الثورة الفلسطينية بيروت بعد اجتياح العدو الصهيوني في حزيران/يونيو 1982. 
راكم الكاتب المبدع حسن البطل تجربة خاصة، اتسمت بملامح البطل الإشكالية الإيجابية، ولم يتوقف لحظة عن العطاء والكتابة، والإسهام في ترشيد وعي الشارع الفلسطيني، رغم الانقطاعات الناجمة عن الهجرات المتعاقبة في زمن الثورة. وعندما عادت القيادة وكوادرها ومقاتلو الثورة إلى الوطن في أعقاب التوقيع على اتفاقية أوسلو، عاد البطل معهم، والتحق مباشرة بجريدة "الأيام" اليومية مع تأسيسها في مدينة رام الله في 25 كانون الأول/ يناير 1995، وواصل كتابة مقاله اليومي تحت عنوان "أطراف النهار" حتى شباط/ فبراير 2016، حيث باتت أطراف النهار يوما بعد يوم لأسباب صحية. وبالتالي هذه المسيرة المعمدة بالمثابرة والركض اليومي وراء الحدث بالتحليل والاستشراف منحت البطل مكانته التي لا تنازع، وأمسى عن جدارة عميد المقال اليومي في الصحافة الفلسطينية بامتياز، وفارس الكلمة الهادفة، ورسول الديمقراطية الدائم، ولهذا تم تكريمه أكثر من مرة، وحصل على العديد من الجوائز عرفانا من النخب الثقافية والأدبية بدوره ومكانته وجدارته. 
هذا الحسن النبيل أخيرًا قرر الرحيل الأبدي بعد أن أضناه واستنزفه المرض، حاول جاهدا مقارعته، لكنه تمكن منه أمس الأربعاء حين أرغمه على إغماض عينيه الإغماضة الابدية، وأوقف نبضات قلبه، وفتح الأبواب لصعود روحه إلى ملكوت الخلود. 
نعم، رحل البطل، البطل الإعلامي والمثقف، وترجل عن مسرح الحياة بعد رحلة قصيرة مقدارها 77 عاما، قضاها في ميدان العلم والمعرفة، وحراثة الصفحات بالقلم المبدع، المنتمي والأصيل، وسيبقى فقيد الكلمة والقلم خالدًا بيننا بميراثه وعطائه الكبير والغني، وسلاما لحسن يوم ولد ويوم رحل. 

 

المصدر: الحياة الجديدة