لا يقول الفلسطينيون كلمةً حينما يقولون القدس، وإنما يعلنون وجودهم في عاصمتهم بصمود لا سبيل لكسره، وبعزم لا يلين، يقولون القدس ليؤكدوا لا للاحتلال الإسرائيلي فقط، وإنما للعالم أجمع، نحن هنا منذ أن سور الملك الصادق المدينة المقدسة، بأسوار الطمأنينة، ومنذ أن جعل سلالته لها فيما بعد، سبعة أبواب مفتوحة على مشارق الأرض ومغاربها، نحن هنا منذ ذلك التاريخ الضارب جذورًا في تربة بدايات الحقيقة الفلسطينية، وهنا باقون كمثل شجر الزيتون الذين نحن زراعه، ويشهد زيته على طعمنا المر في حلق الاحتلال الإسرائيلي، مثلما يشهد على نورنا الذي نضيء به مشاعل الصمود في حواري القدس، وباحاتها المقدسة.
كلما القدس، كلما تنورت فلسطين بسيرتها النضالية الماضية في دروب الأسطورة، وكلما القدس بهتاف التحدي، كلما تراءت للاحتلال الإسرائيلي مشاهد هزيمته ورحيله الحتمي عن المدينة المقدسة، فيشتد وهم القوة عليه، ليتغول أكثر في خياراته البائسة، حتى يتحول جنوده إلى توتر عنيف يتفلت على حماقات البلطجة، مثلما فعلوا يوم أمس في اقتحامهم لبيت محافظ القدس المناضل عدنان غيث ...!! 
كلما القدس، لطالما تقدس الحرف في آيات الصمود الفلسطينية، وببلاغة هذه الآيات يتضح صراعنا ضد الاحتلال الإسرائيلي، بكونه صراع الحق ضد الباطل وصراع الخير ضد الشر، وصراع الجمال ضد القبح، وصراع السلام ضد الحرب. وهذا ما يؤكد دور فلسطين، ومهمتها الرسالية، أن يسود الحق والخير والجمال والسلام للعالم أجمع، وأن تتفتح قيم هذه المبادئ السماوية، وردًا في بساتين الخليقة.
وكلما القدس رأينا حالنا في كتاب عمرو بن كلثوم "إنا العاصمون إذا أطعنا/ وإنا العازمون إذا عصينا". وكلما القدس جعلنا الأمل موقفا وسيرة وصمودًا يؤثث بيوت ذاكرتنا بخطاب وعمل، وعشقا يسمي البلاد جذرا، ويسميها وعدًا وحنوًا وعطفًا، وهكذا هكذا كلما نطقنا القدس حرفًا فحرفًا. 

 

المصدر: الحياة الجديدة