عقد أول أمس الثلاثاء الموافق 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي المؤتمر الدولي لدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ليوم واحد بعد تفاقم الأزمة المالية الحادة التي هددت وتهدد مستقبل مكانة وعمل المؤسسة الدولية حيث تعاني من عجز مالي لنهاية العام الحالي يبلغ حوالي 100 مليون دولار أميركي. فضلاً عن غياب أفق الدعم المالي لموازنة الأعوام القادمة. ولم تأتِ الأزمة الخانقة للوكالة بالصدفة، أو نتيجة عامل فساد في مؤسساتها، وإنما نتاج مجموعة عوامل، منها أولاً حملة التحريض الإسرائيلية والأميركية وحلفائهم (التي بلغت في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب حدًا غير مسبوق عندما أوقفت كليًا الالتزام الأميركي بدعم موازنة الوكالة عام 2018) على المنظمة الدولية الراعية لمصالح اللاجئين الفلسطينيين التربوية والصحية واللوجستية الخدماتية بهدف تصفيتها، كمقدمة لتصفية أحد أهم ملفات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ ثانيًا تراجع وانكفاء العديد من الدول عن الوفاء بالتزاماتها المالية الدورية للوكالة؛ ثالثًا الفصل التعسفي بين وكالة الغوث "الأونروا" وبين المنظمة الأممية الأم، هيئة الأمم المتحدة من الزاوية المالية، ورهنها لمزاجية الأنظمة السياسية صعودًا وهبوطًا؛ رابعًا محاولة بعض الأقطاب الدولية والدول تسييس الدعم للوكالة بهدف تحويلها لمنظومة أمنية تعمل لصالح المشروع الكولونيالي الصهيوني، وطمس مرتكزات الرواية الفلسطينية بذرائع واهية، عنوانها "نشر الإرهاب"، وتجاهل تلك القوى تأسيسهم ودعمهم لدولة قامت على الإرهاب، واغتصاب أرض وطنهم الأم ومصالح الشعب العربي الفلسطيني، وتفيض برامجها ومناهجها التربوية والثقافية والإعلامية والدينية والسياسية والأمنية والأخلاقية بكل ما للإرهاب من صلة. 
ومما لا شك فيه، أن مبادرة كل من الأردن الشقيق والسويد الصديقة بالدعوة لعقد المؤتمر ومشاركة 60 دولة ومنظمة ذات صلة من بينها الولايات المتحدة الأميركية وست دول عربية يعتبر إنجازًا نسبيًا. لا سيما أن المؤتمر حقق هدفًا من هدفين، وهو هدف الدعم المعنوي من قبل المشاركين، الذين أكدوا بما لا يدع مجالاً للشك على أهمية بقاء وديمومة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ورفض تصفيتها قبل حل ومعالجة القضية السياسية الفلسطينية، وخاصة حل قضية اللاجئين على أساس القرار الدولي 194، الذي ربط الاعتراف بدولة المشروع الصهيوني بعودتهم إلى ديارهم ومدنهم وقراهم ومصالحهم. 
لكنها رغم تمكنها من الحصول على الدعم المالي المناسب لتغطية الشهرين المتبقيين من العام الحالي (2021)، لكنها فشلت في عدم ربط الدعم بموازنة الهيئة الدولية الأولى، الأمم المتحدة، ليس هذا فحسب، إنما بعدم الحصول على دعم كاف لموازنات الأعوام القادمة، وإدامة عملية التمويل لقيامها بمهماتها ذات الطابع الإنساني. 
ولا أضيف جديدًا لما هو معروف ومتداول فلسطينيًا وعربيًا وأمميًا، من أن وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" هو انعكاس لوجود قضية اللاجئين الفلسطينيين، والشاهد على نكبتهم، والراصد لأعدادهم المتزايدة يوميًا حتى بلغوا حتى الآن ستة ملايين لاجئ في دول الشتات، التي تقدم فيها الخدمات لهم، والمسؤولة عن متابعة ملفهم أمام الهيئة الأممية، وأمام الدول الداعمة لموازنتها، كما أن وجودها ومواصلة مهامها تسلط الضوء على جريمة الحرب الإسرائيلية التاريخية منذ 74 عامًا خلت، وإرهابها الدولاني المنظم، وستبقى الحافز لدفع العالم بالاقتران مع كفاح الشعب الفلسطيني وقواه الحية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للانتقال الجدي لبلوغ الحل السياسي الممكن والمقبول على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967. 
وفي ضوء ما تقدم، علينا اليوم وبالتعاون مع الدول الشقيقة المعنية وجامعة الدول العربية والهيئات الدولية ذات الصلة بتحشيد الدعم الأممي لتعزيز الدعم والتمويل لموازنة الوكالة، وحث الدول المختلفة على حماية وجودها، لأن بقاءها وقيامها بمهماتها الإنسانية فيه حماية لأرواح الفلسطينيين اللاجئين، وصيانة السلم المجتمعي، والحؤول دون انفلات وتدهور الأمور نحو مآلات غير محمودة. ويخطئ من يعتقد أنه يستطيع لَيْ ذراع الشعب العربي الفلسطيني، وسيندم كل من يتورط في ارتكاب حماقة تصفية أو تقليص دور ووظيفة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلا بضمان عودتهم وتعويضهم عن نكبتهم ومآسيهم طيلة ثلاثة أرباع القرن تقريبًا. 

المصدر: الحياة الجديدة