لا بد من عقلية تحرر ناظمة لفكر وقانون وسلوك المشرع إذا أردنا مجتمعاً متحررًا، تسوده العدالة والمساواة، فالمفاهيم التقاليد والموروثات الخاطئة وحتى بعض القوانين ما زالت كالمحميات يحافظ عليها المعنيون بديمومة سلطانهم على المجتمع عموما والمرأة خصوصًا، ويوفرون لها أسباب البقاء لدى الشرائح الاجتماعية.. لمنع انتشار الفكر التحرري التنويري، المؤيد بالقوانين والتشريعات، وبثقافة التحرر، وتطبيقاتها العملية في ميادين الحياة النظرية والعملية.  

التحرر مشروع فكري يتكون في ذات الإنسان النقي، الواعي والمدرك لرسالته في الحياة دون عائق (النوع)، ويتجاوز مؤثرات المجتمع، ويبلغ مداه وأهدافه في تحقيق التوازن وضبط ميزان المساواة والعدل، باعتبار التمييز على أساس الجنس جريمة، وعند هذه النقطة ستكون القوانين روح الدستور الضامن لسلامة مبدأ احترام حق الآخر الطبيعي، والسلم باعتباره الحال الطبيعي للعلاقة الأزلية بين الإنسان الذكر (المرء) - أي الرجل-  والإنسان الأنثى (المرأة) في المجتمع.  

نعتقد أن القرارات الرئاسية بمراجعة القوانين والتشريعات التمييزية المتعلقة بالمرأة الإيجابية منها لرفع منسوبها، والسلبية لتخفيض منسوبها إلى حد التجفيف، تعكس إدراكًا عميقًا وبعيد المدى لدى رأس الهرم السياسي بأن واقع التشريعات والقوانين المعمول بها، هي أكثر من مانع وحاجز وعائق أمام الرؤية الصحيحة للحرية والتحرر في واقع  الحال والمستقبل أيضًا، فحركة التحرر الوطنية الفلسطينية التي ترفع مبدأ تحرير الإنسان بجنسيه الأنثى والذكر وتحرير الأرض، وتعمل بالتوازي لتحقيقهما، ستمضي قدمًا في الاتجاه الصحيح، وتحقق أهداف النضال، ما دامت مانحة البيئة المواتية لنمو الفكر النظري وتطبيقاته العملية والقانونية أسباب الحياة بقصد الانتصار لحقوق الإنسان الطبيعية عمومًا، والمرأة منه خصوصًا.  

لقد قرأنا في قرارات سيادة الرئيس أبو مازن السابقة والسباقة العلاقة الإستراتيجية الجدلية بين تحرير الإنسان وتحرير الأرض، باعتبارهما قاعدتي ارتكاز عريضتين لمجتمع الدولة المدنية الديمقراطية الفلسطينية التقدمية التي نكافح من أجل بعثها على أرضنا الفلسطينية في صورتها الحضارية المنسجمة مع نموذج الدولة الحديثة في العالم.  

لم يعد خطاب التغني بالمرأة كمناضلة وعاملة وشهيدة وأخت وأم وزوجة، ونصف مجتمع مقنعًا رغم واقعيته وحقائقه، فهي (المرأة) لدى كثير من الشرائح الاجتماعية رغم هذه الصفات العظيمة ما زالت في غير مكانتها الطبيعية، وزاد عليها طغيان المفاهيم الذكورية السائدة!! إذ ليس مقبولاً تعزيتهن بمصطلح الحرائر والمناضلات، والمبدعات، والرائدات، فيما قوى الأعراف والتقاليد الاجتماعية  الخاطئة ما زالت أقوى من قوة القوانين، وتعمل على تأويل وتفسير حقوقهن بما يكفل ويضمن مصلحة المتسلطين على أساس التفوق بالنوع (الذكور) !!، فالمجتمع ينفخ بصورة المرأة من ناحية، لكنه يغض الطرف عن طعنها بخنجر التمييز والعنف، ويخضعها لمفاهيم استبدادية وقتما يشاء بعد تقصد المتطرفين تفسير لمصطلحات الدينية لصالح سلطتهم ونوعهم، وبعد إلباسها ثوب الشرف والرجولة والمحافظة على التقاليد، فتذهب المرأة ضحية قمع مجتمعي ظالم، أو يأخذها كتابع، مجردة من مقومات شخصيتها وحواسها وعواطفها الإنسانية، وفوق كل هذا وذاك ينقصها عقلها ودينها أيضًا!!.  

لا بد من تثوير نصوص القوانين والتشريعات، بالتوازي مع نظم وتكريس حالة ثقافية وقانونية لدى المواطن فردًا كان أو مجتمعًا، فالقوانين الثورية تنفع في مجتمع يعمل قادته ورواده على إحداث تغيير جذري لإحداث النقلة الحضارية النوعية المطلوبة للوصول إلى محطة التحرر الحقيقي، فثقافة احترام كيان الآخر بكل مقوماته الإنسانية التي تصبح ناظمة للسلوك اليومي هي الضمانة الحقيقة لمبدأ المساواة والعدل.  

لا تكافأ المرأة نظرا لسجلها المشرف، أو دورها في عملية البناء، أو لمساهمتها في رفع مؤشر التنمية، أو إسهاماتها في مسارات العمل السياسي والتربوي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي.. وحسب، بل لأنها مواطن أنثى، لها حقوقها وعليها واجبات، فنسبة النساء في بلادنا اللواتي أتاحت لهن الظروف الانخراط في مسارات العمل الوطني والثقافي والاجتماعي والعلمي وغيرها قليلة، لكن ماذا عن النسبة الأعظم منهن، اللواتي يتعرضن للظلم والتمييز والعنف، فالقوانين والتشريعات التي أمر سيادة الرئيس محمود عباس بمراجعتها هي لحماية الأغلبية الصامتة المظلومة من النساء، بالقانون إن لم تستطع استرداد حقوقها عبر تطور ونمو الفكر التحرري طبيعيًا في مناخ الثورة وحركة التحرر، فالمجتمع الذي ما زال يعتبر المرأة قاصرًا حتى لو كانت رائدة فضاء، لا بد من تدخل سلطة القانون لمنع التغول على حقوقها الطبيعية، ومنح فرصة للمتسلط لكبح جماح مفاهيمه المدمرة للذات والمجتمع، وإجراء المراجعة العقلانية إذا كان معنيًا باحترام إنسانيته.
 

المصدر: الحياة الجديدة