مشهد اللاجئين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا يكشف نفاق العالم وبؤس طرق تفكيره، فالدول لا تتورع عن استخدام، كتل بشرية بريئة تبحث عن مأوى ولقمة عيش بكرامة، بلا رحمة وبلا شفقة في الصراع فيما بينها. والمشكلة أن معظم الكتل البشرية، خصوصا هذه الموجودة على تلك الحدود، هم من العرب عراقيين وسوريين ومن الشرق الأوسط الكبير. والسؤال أين هو الضمير العالمي، وأين هو الحديث عن حقوق الإنسان أمام هذا المشهد الذي يموت فيه الأطفال والنساء أمام أعين العالم من البرد والجوع؟

 المتورطون بهذه الجريمة هم مجموعة كبيرة من الدول تتصارع على النفوذ وتستخدم هؤلاء اللاجئين كورقة ضغط ورسائل فيما بينها. في الحالة على الحدود البيلاروسية البولندية يحاول الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أن يضغط على دول الاتحاد الأوروبي بهدف دفعها للاعتراف بشخصيته كرئيس والتحدث معه وإنهاء العقوبات التي فرضها الاتحاد على بلاده. 

بالمقابل دول الاتحاد الأوروبي تعتبر الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو، الذي فاز في الانتخابات الرئاسية عام 1994 وأعيد انتخابه عدة مرات متتالية منذ ذلك التاريخ، بأنه "حاكم مستبد " وتتهمه بتزوير الاننخابات، وبالتالي قام الاتحاد بفرض عقوبات عليه وقلص العلاقات معه إلى أدنى مستوى. بالطبع موقف الاتحاد الأوروبي مدعوم من حلف الأطلسي ومن الولايات المتحدة الأميركية.

وإلى جانب ورقة اللاجئين يلوح لوكاشينكو بورقة الغاز الروسي الذي تمر خطوطه إلى أوروبا عبر بلاده،  ويقول إنه لن يبادر للحديث مع الاتحاد الأوروبي قبل أن يرفع هذا الأخير العقوبات عنه. ونتيجة لتصلب مواقف الطرفين جاءت أزمة اللاجئين المحشورين على الحدود البيلاروسية البولندية تفترسهم برودة الطقس حيناً والجوع وعصابات القتل حيناً آخر.

نعلم أن هؤلاء اللاجئين قد فروا من بلادهم بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية، ولكن السؤال ألم تكن الأوطان أكثر رحمة من الذل الذي هم فيه اليوم ويستخدمون كورقة صراع؟ ولكن مع ذلك هم عندما غادروا أوطانهم المتأزمة لم يكن يخطر ببالهم أن العالم بهذه القسوة وبهذا النفاق. هم أناس عاديون يبحثون عن فرصة عيش أكثر إنسانية ليجدوا أنفسهم في عتمة عالم ظالم لا يعرف الرحمة. 

صحيح أن الوضع لا يزال تحت السيطرة، وضع تتبادل خلاله الدول الرسائل عبر كتل بشرية ترتجف بردًا وجوعًا،  ولكن مثل هكذا أزمة يسيطر عليها العناد واللامسؤولية يمكن أن تنفجر في أية لحظة وتتحول إلى صراع مسلح دامٍ. فالعالم اليوم ينتظر الحل من منهم أكثر حكمة وأكثر إنسانية..ولكن أين هم هؤلاء؟

المصدر: الحياة الجديدة