بسم الله الرحمن الرحيم 

أبناء شعبنا الفلسطيني الصّامد، 

في الثاني من تشرين الثاني في كل عام تتجدّد ذكرى أكبر وصمة عارٍ على جبين الإنسانية، والشاهد الدامغ على واحدةٍ من أكبر واقعات الظلم في التاريخ التي لحقت بشعبنا الفلسطيني وكانت السبب في نكبته الأليمة. 

 هو اليوم الذي منحَت فيه بريطانيا في الرسالة التي وجّهها وزير الخارجية البريطانية اللورد آرثر بلفور إلى البارون اليهودي البريطاني روتشيلد الحقَّ لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، فيما عُرِف لاحقًا بـ"إعلان وعد بلفور" المشؤوم. 

 

ورغم أنَّ هذا الوعد والذي ورد مضمونه في صك الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922، أكّد عدم السماح بإجراء شيء يُلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين في ذلك الوقت، وأكّد "صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس والدين"، فإنّ ما مُورِس على الأرض جاء مخالفًا لذلك، إذ مارست بريطانيا انحيازًا كاملاً لمشروع الحركة الصهيونية، ضاربةً بعرض الحائط الحق القانوني والتاريخي لشعبنا المتأصّل في أرضه منذ آلاف السنين في تعارضٍ تام مع شرعة عصبة الأمم وقراراتها.

 

إنّ هذا الإعلان الذي تحل ذكرى مرور ١٠٤ أعوام على صدوره لم يكن وليد اللحظة، فالمخطط بدأ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عُقِد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكّد أنَّ الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين، لتتلوها مفاوضات تواصلت ثلاث سنوات بين اليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة والحكومة البريطانية من الجهة الأخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع الأخيرة بقدرتهم على تحقيق أهدافها، والحفاظ على مصالحها في المنطقة، ليشكل ذلك أولى خطوات التطبيق الفعلي لأهداف الحركة الصهيونية العالمية.

 

أما الخطوة المتمِّمة لهذا الوعد المشؤوم فتمثّلت بقرار التقسيم في التاسع والعشرين من عام ١٩٤٧، والذي أقرت الجمعية العمومية بموجبه تقسيم فلسطين، وإقامة الكيان الصهيوني على 56% من أرض فلسطين التاريخية لتكون ثمرته المشؤومة نكبتنا الأليمة عام ١٩٤٨، التي أدت لتشريد شعبنا والاستيلاء على أرضنا بسطوة المذابح والمجازر التي ارتكبها عصابات الاحتلال الصهيوني. 

 

 ونحنُ نستذكر بعميق الألم هذه الذكرى الشاهدة على الجريمة التي لا تسقط بالتقادم، وهذا الوعد المشؤوم الذي جلب الويلات والجرائم التي ما زال الاحتلال الإسرائيلي يواصل ارتكابها بحق شعبنا وأرضِنا، نطالب المسؤول الأول عن هذه المأساة، بريطانيا، بتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والسياسية، وتصحيح خطيئتها التاريخية، والاعتراف بدولة فلسطين، ورفع الظلم الواقع على شعبنا، مطالبين المجتمع الدولي بدوره بالتحرك العاجل لوقف العدوان الإسرائيلي وممارساته بحق شعبنا ووطنا، وبتأمين الحماية الدولية لشعبنا وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومعاقبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه.

 

 وفي ظلِّ التحديات الجسام التي تحيق بقضيتنا الوطنية وما يعيشه شعبنا من ظروف بالغة الخطورة والتعقيد، وتواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا وأرضِنا ومقدساتنا، فإننا نشدّد على أهمية توحيد الجهود ورص الصفوف وتغليب المصلحة الوطنية العليا لشعبنا، وحشد كل الإمكانيات لمواجهة التناقض الرئيس مع شعبنا والمتمثل بالاحتلال الصهيوني وسياساته العنصرية المتطرفة.

 

ورغم ألم الذكرى فإنّنا نؤكّد إيماننا بأنَّ جماهير شعبنا العربيّ الفلسطينيّ الثائر الذي أدرك أبعاد المؤامرة الاستعمارية منذ البداية، وأبى الخضوع لسياسة الأمر الواقع التي حاولت بريطانيا والحركة الصهيونية وعصاباتها المسلّحة فرضها، خائضًا الثورات المتلاحقة منذ عشرينيات القرن الماضي، وباكورتها ثورة البراق عام 1929، وسلسلة لا تنتهي من المعارك البطولية في وجه العدو الصهيوني، فإنها اليوم بالتفافها حول منظمة التحرير الفلسطينية ممثّلاً شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني، هي أكثر استعدادًا وإصرارًا على مواصلة الدرب النضالي حاملةً أمانة الشهيد ياسر عرفات ومصطفّةً حول الأمين على الثوابت والقرار الوطني المستقل السيد الرئيس محمود عبّاس، حتى إسقاط كل تبعات هذا الوعد، وتحقيق الأهداف الوطنية العليا بالحُرّيّة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها. 

 

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار 

والحرية لأسرانا الأبطال

والشفاء لجرحانا الميامين

وإنها لثورةٌ حتّى النّصر

إعلام حركة "فتح" - إقليم لبنان