أثارت تصريحات وزير خارجية إسرائيل الجديد "يائير لبيد" عاصفة من النقاش والمواقف اليمينية المنددة بما صرح به حيث قال: "إن اللاسامية لا تستهدف اليهود وحدهم وهي امتداد لتاريخ طويل من الكراهية والعنصرية ضد أجناس معينة من البشر".
هذا التصريح اللافت للانتباه في التوقيت والمضمون لن يتم فهمه إلا إذا استطعنا وضعه في السياقات الصحيحة التي جاء بها، فالوزير الجديد تسلم مهام منصبه منذ أقل من شهرين بعدما كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية في حالة موت سريري نتيجة لتهميشها المتواصل منذ أكثر من عقد من الزمن على يد رئيس الوزراء السابق نتنياهو، وكما هو واضح، فإن الوزارة أجرت تقييمًا دقيقًا لمكانة إسرائيل في الساحة الدولية، وكان واضحًا من خلال هذا التقييم أن استغلال الحركة الصهيونية لجريمة المحرقة أبشع استغلال قد وصل لحده الأقصى، وقد استنفدت دوائر الصهيونية العالمية ما في جعبتها من ألاعيب طيلة السبعة عقود الماضية، وهي تدرك الآن أكثر من أي وقت مضى حجم المعارضة والإدانة لسياسات إسرائيل العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، وقد يظهر من هذا التقييم بأن الرواية الدينية المبتدعة التي ارتكزت عليها دوائر صنع القرار في الحركة الصهيونية قد أدت غرضها على أكمل وجه ولا بد من محاولة لتدوير بعض الاستراتيجيات الهادفة لإعادة إنتاج واستثمار حالة العداء العالمي لليهود في مختلف بقاع الأرض هذه المرة..
فالفكرة المستهدفة من تصريحات لبيد تؤكد أن جذور العداء هي ليست مقتصرة على اليهود ولم تقتصر على المحرقة ونتائجها على الشعب المستحدث وهو الشعب اليهودي، وهذا بالضبط ما يستدعي من العالم استحداث إجراءات وقائية مناسبة لحالة الإدانة الجديدة التي تتسع يومًا بعد يوم، وهو بذلك يقول للعالم أجمع بأنك ستكون شريكًا في هذه الحملة العالمية ضدنا إذا لم تكن معنا وبغض النظر عن حجم ونوع الجرائم التي نرتكبها فأنتم مطالبون بالوقوف معنا وتغطية هذه الجرائم.
وهذا يعني بوضوح تدشين حملة جديدة من نزع الشرعية وملاحقة ومعاقبة كل من ينادي بمحاسبة إسرائيل وملاحقتها قضائيًا في المحاكم الدولية وسيكون ذلك إذا ما استطاعت إسرائيل تحقيقه، ضربة استباقية ناجحة لكل الجهود الدولية لِلجم إسرائيل ومحاصرتها.