البطلة حفرت مكانة متميزة في مقاومتها الشعبية، ليس من الأمس القريب مع إقامة مستعمرة افيتار، انما قبل ذلك بكثير وتحديدا منذ النصف الثاني من الثمانينيات، حيث كان كفاح أبناء القرية نموذجا في الصلابة، ورسوخا عميقا في الانتماء، وامتلاكا شجاعا لعظمة الدفاع عن الأرض والقضية والمصالح والاهداف الوطنية الثابتة. منذ عام 1988 وبيتا تقاتل دفاعا عن ترابها، وعن الجبال المحيطة بها (العرمة وصبيح)، وعن كل فلسطين. وساهمت بقسط متقدم في الكفاح في الانتفاضة الكبرى/ ثورة كانون 1987/ 1993، وفيها تمت تعرية وفضح جرائم جيش رابين القاتل بلجوئه لتكسير العظام، وتقييد ايدي وارجل عشرين انسانا من بيتا وحوارة وتركهم ليلا في العراء لتفترسهم الحيوانات الكاسرة، والتي بنتاجها تمت محاكمة الضابط المنفذ للجريمة آنذاك. وبنتاج كفاحها قدمت العديد من الشهداء، وأُبعد عدد من أبنائها إلى جنوب لبنان، ومنه إلى تونس وغيرها من الدول الشقيقة. وبالتالي تجربة أبناء بيتا ليست حديثة العهد، بل هي متأصلة في أفئدتهم وعبر عنفوان إرادتهم الفولاذية، وابداعهم في فن المقاومة، وإصرارهم على التحدي لقطعان المستعمرين ولجيش الموت والجريمة المنظمة الصهيوني.
قرية بيتا تقدر مساحتها باثنين وعشرين الفا من الدونمات، وهناك بعض المعطيات تشير إلى ان مساحتها الإجمالية 18 الفا، وبغض النظر عن التفاصيل الجزئية، التي لا تؤثر على حجم مساحتها، فإنها تتعرض لهجوم استعماري يستهدف أراضي وجبال القرية وخاصة جبلي العرمة وصبيح، الذي أقيمت عليه مستعمرة افيتار عام 2018، التي تمت إزالتها لاحقا نتاج المقاومة الشعبية المتعاظمة. ولكن في شباط 2020 عادت 42 عائلة من قطعان المستعمرين لإحياء المستعمرة، غير ان أبناء بيتا الباسلة تمكنوا من ارغام الحكومة الإسرائيلية على تفكيكها في نهاية حزيران الماضي. بيد أنهم باتفاق مع المستعمرين والمجلس الإقليمي للاستيطان "شومرون" لم يخلوا المكان والارض، انما اعادوا وجود معسكر الجيش، ولم يرحلوا الكرفانات التي تخص العائلات الاستعمارية، وابقوها بذريعة أن الجيش سيستخدمها، ووافق جيش الموت على إقامة مدرسة دينية تلمودية في المستعمرة، بتعبير آخر انتهجت الإدارة الاستعمارية (المدنية) مع قيادة الجيش الإسرائيلي ومع ممثلي المستعمرين طريقا التفافيا لخداع الجماهير الفلسطينية في بيتا للسيطرة على اراضي القرية، ولاحقا لاعادة المستعمرين إليها، ولكنهم سيفشلون مرة جديدة، كما هزموا سابقًا.
إذاً لعبتهم الاستعمارية لم تنطلِ على الجماهير، وما زالت بيتا حتى كتابة هذه الكلمات امس تقاتل على مدار الساعة، وليس في أيام محددة من الأسبوع، وسجل أبناء بيتا المقدامة نماذج متطورة من المقاومة الشعبية، والتكافل الرائع بين الشباب والشيوخ المرابطين في جبل أبو صبيح وبين أبناء القرية، التي يقدر عددها حوالي 12 الف نسمة، حيث تقوم العائلات المختلفة بتأمين الطعام للمقاومين، ولفت نظري قصة العجوز، التي اخذت الزعتر وقامت بخبزه في ميدان المواجهة لإطعام الابطال من الجنسين، وكذلك قصة الحلاق الشجاع، الذي بادر بالصعود للجبل، وطلب من كل مشارك وكل رجل مقيم في القرية الإتيان باطار سيارة مقابل ان يحلق له مجانا، بعد ان قامت قوات الجيش الاستعماري بمصادرة الإطارات من القرية، وذلك لاستخدامها في المواجهة اليومية.
كما أن أبناء القرية أبدعوا في موضوع الإرباك الليلي، واستخدام الليزر للتشويش على المستعمرين وقوات الجيش الصهيونية، ولم يتوقفوا للحظة، رغم الاعتقالات المتواصلة لأبنائها، واستهداف ابطالها بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز والمطاردات المتكررة، وسقوط الشهداء، والذين كان آخرهم الشهيد محمد حسن، وتضييق الخناق عليها من كل جانب بالحواجز والانتهاكات التعسفية. مع ذلك تقف بيتا شامخة مرفوعة الرأس/ متقدمة الصفوف في كفاحها الشعبي البطولي المتميز.
بيد أننا ونحن نعظم شأن بيتا البطلة وجماهيرها، فإن المقاومة الشعبية يفترض فعلا لا قولا تعميمها على كافة المدن والقرى والخرب والمخيمات. ولا يكفي التصريح من هذا القائد أو ذاك عن ذلك، وترديد الشعارات والمواقف الإنشائية عن تعميم التجربة الرائدة، إنما الانتقال للعمل المباشر من خلال تشكيل إطارات في كل المدن والقرى للجان المقاومة الشعبية تحت قيادة وطنية موحدة تشرف عليها باتفاق وقرار مركزي، ووفق خطة عمل وآليات عمل واضحة وشفافة، وتأمين الإمكانيات المالية والطبية والاجتماعية وعلى كل الصعد والمستويات. اما البقاء في دائرة تكرار ذات الشعارات دون رصيد، فهذا يشكل إحباطا بين المواطنين. آن الأوان للانتقال لميدان الفعل لإرغام العدو على الاعتراف بالحقوق والمصالح والثوابت الوطنية العليا، ويقبل مذعنا باستحقاقات السلام. لأن السلام وبناء جسوره لا يأتي عبر طرح المشاريع، وانما من خلال الربط الديالكتيكي بين الخطط والمشاريع والممارسة الكفاحية العملية واليومية، وتحشيد كل الطاقات الوطنية.